من المسؤول عن خراب اليمن؟

2014/01/24 الساعة 10:06 مساءً

ثورة.. النانو!

 في مرة سابقة قلنا إن الذي لا يعرف كيف كانت حالة اليمن في عهد المخلوع سوف يصاب بالدهشة وهو يتابع بنود الخطاب الإعلامي والسياسي لبقايا النظام السابق؛ فلا حديث عندهم ولا بكاء إلا عن الفساد، والبطالة، وانقطاع الكهرباء وسوء الخدمات العامة، وظلم الجنوب والجنوبيين، وعمال النظافة.. إلى آخر المعزوفة في مسرحية: الله يرحم أيام الزعيم! وهو الحديث الذي تنامت حلقاته حتى وصل بتلاميذ رؤوس الفساد والفشل في إدارة الدولة اليمنية إلى تدبير ثورة للمطالبة بإسقاط الحكومة بتهمة الفشل! وتبين أن الثورة المؤتمرية هي من نوع الثورات (النانو) [ وهو مصطلح هندي حديث مأخوذ من كلمة: نونو ويعني : الحجم الصغير جدا؛ فهناك بيوت نانو رخيصة الثمن، وسيارات نانو لفرد أو فرد ونص.. إلخ]..فثورات النانو هي التي لا يتجاوز أعداد المشاركين فيها مستوى تجمع المحتجين على انقطاع مخصصاتهم المالية أمام اللجنة الدائمة نهاية كل شهر! واستكملت النكتة أركانها عندما ظهر أن قيادات الثورة النانو هم من أصدقاء وأعوان وحبايب العميد النانو/ يحيى محمد صالح أشهر المصلحين ومحاربي الفساد والداعين للدولة المدنية الثورية على سنة جيفارا!

 

وبأي مقياس؛ فإن رعاية المؤتمر لثورة النانو اليمنية هي شهادة غير مباشرة لثورات الربيع العربي بأنها كانت على حق، وأنها تعبير شعبي أصيل عن الرغبة في الانعتاق من نظام فاشل فاسد، ولا علاقة لها بغرفة العمليات إياها التي في تل أبيب.. ولا بواشنطن ناهيكم عن قطر وتركيا.. والشاهد هنا أنه إن كان لموظفي ثورة يحيى صالح الحق في الخروج إلى الشارع للمطالبة بتغيير الحكومة الفاشلة بعد سنتين فقط من تشكيلها؛ فالذين خرجوا للمطالبة بتغيير أنظمة متعفنة منذ عشرات السنين كانوا أكثر مصداقية وأقرب إلى الحق! نقول هذا بصرف النظر عن أن السلطة التي نشأت بفعل المبادرة الخليجية ما تزال تضم نسبة كبيرة من حزب المؤتمر سواء في نصف مقاعد الحكومة أو غيرها من مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية ، العلنية منها والسرية! وبصرف النظر أيضا عن أن الحكومة كان يمكن لها أن تحسن أعمالها لو كانت قادرة على استعادة مليارات الخزينة المنهوبة من منظري وممولي ثورة النانو!

 

[ من غير المعقول أن رموز النظام السابق بعد أن آمنوا بأن رحيلهم عن السلطة صار مسألة وقت لم يصرفوا لأنفسهم مكافآت نهاية الخدمة، ورواتب الإجازات التي لم يأخذوها، وبدل فصل تعسفي.. إلخ المسميات التي تتيح لهم إفقار سويسرا وليس اليمن؛ فالخزينة العامة كانت تحت تصرفهم، والدنيا كانت فوضى، ولا أحد يحاسب أحدا.. ولا يمكن أن نصدق أنهم أصيبوا فجأة بمرض النزاهة والصلاح فتعففوا عن غرف ما يقدرون عليه من الخزينة! وفي تلك الأيام مارسوا مغالطة عفاشية عندما راحوا يتحدثون عن الرصيد المالي للاحتياطي في الخارج.. لكنهم لم يقدموا حسابات إخلاء طرف عن سنوات حكمهم ولو تلك الأخيرة؛ سواء الذين كانوا في السلطة السياسية أو المهيمنين على الجيش والأمن.. وسواء أكان إخلاء الطرف بالنسبة للأموال السائلة أو الأسلحة والذخائر التي كانت موجودة تحت مسؤوليتهم! ].

 

مؤسسو الاختطافات ينددون بها!

 

وعلى هامش جريمة اغتيال الدبلوماسي الإيراني هذا الأسبوع؛ انفجر عرق الأمن والاستقرار لدى جماعة الفوضى في مؤتمر جناح الكميم، وثوار النانو ضد الفشل الأمني.. وراحوا يقيمون مناحة على أمن اليمن واستقراره بسبب ظاهرة اختطاف الأجانب التي بلغت 43 حادثة في عهد حكومة باسندوة!

 

ولأن الغرض مرض (وفلوس ووظائف من خزينة المخلوع المنهوبة من خزينة الشعب اليمني!) فلم ينتبه ثوار النانو أن ظاهرة الاختطافات للأجانب واليمنيين هي من الثوابت في زمن المخلوع ونظامه وحكوماته ووزراء الداخلية والدفاع فيها.. وفي تلك الأيام لم يكونوا يطالبون بإقالة رئيس الوزراء ولا وزير الداخلية إن اختطف أجنبي؛ واليمني من باب أولى! ولم يفكر بابا ثورة النانو للحج والعمرة أن يدفع بموظفيه وموظفاته إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر أمام قصر العم علي؛ لإعلان مطالبهم بالتغيير وإقالة حكومات الفساد والفشل الأمني والمعيشي.. كل ذلك لم يحدث؛ ليس فقط لأن بابا ثورة النانو للحج والعمرة كان هو المسؤول الأول عن الأمن في البلاد، وتحت تصرفه مليارات ينفقها كما يشاء – ولو في حفلات عيد ميلاده- دون رقابة ولا محاسبة.. ولا لأن المتهم الأول بتأسيس ظاهرة الاختطافات والفوضى والفشل وتعميمها في كل محافظة هو نفسه العم العزيز الرئيس السابق المخلوع!

 

لو جعلنا موعد الوحدة خطا فاصلا لزمن الاختطافات؛ فهي بدأت من يومها؛ لا أقصد اختطاف الوحدة والديمقراطية، ولكن نقصد اختطاف الأجانب وأشهرهم يومئذ: الملحق الثقافي الأمريكي (ماهوني).. وصولا إلى اختطاف السياح الأسبان والأوربيين وغيرهم من كافة الجنسيات التي كانت تصدق أن اليمن بلد الأمن والاستقرار فتأتي ليقعوا في قبضة الاختطافات.. وبعضهم لقي حتفه.. ومع ذلك فلم يتغير شيء. ولم يستقل وزير ولا حتى وزير التموين.. ولم يقل أحد من ثوار النانو: ما فائدة أجهزة الأمن المتعددة ؛التي يأكل بعضها الحنشان والعقارب؛ إن كانت لا تنجح في المحافظة على أمن الأجانب؟ (اليمنيين مش مشكلة.. جني يبزهم.. قدها فرصة لتخفيف النسل )!

 

ليس هذا الكلام للتهوين من ظاهرة اختطاف اليمنيين قبل الأجانب؛ لكنه تنبيه إلى خطورة أن يتصدى فسدة نظام المخلوع وأبواقه من أسوأ العناصر الانتهازية في الشارع السياسي والإعلامي للحديث عن فساد الدولة، والفشل الأمني، والتدهور الاقتصادي بوصفها معارضة سياسية مشروعة، وهم أنفسهم الذين قتلوا وبرروا قتل الشباب في ساحات الاعتصام السلمية، وزعماؤهم كانوا قادة القتل والحرق للآمنين العزل! وهم الذين اختطفوا العديد من الناشطين السياسيين قبل ثورة الشباب لأنهم فقط انتقدوا وكتبوا ضد الفشل والفساد.. ثم اختطفوا  العشرات من الشباب من تعز وصنعاء وغيرهما، وأخفوهم في أماكن مجهولة تعرضوا فيها للتعذيب والتجويع، وكل حين وآخر نسمع عن شاب يمني (وليس أجنبيا) عثر عليه مرميا في الخلاء بعد أن أشبع الخاطفون المؤتمريون نوازعهم الهمجية في الانتقام منهم، ولم يكن لهم من ذنب إلا أنهم خرجوا إلى الشارع يطالبون بإقالة نظام الفشل والفساد لصاحبه علي صالح وأولاده وأبناء أخوته- ليمتد!

 

أكل بلا.. حدود!

 

إذا أراد مواطن أن يعرف سوء الحالة في أيام المخلوع بعد أن تحولت اليمن إلى مزرعة خاصة؛ فعليه فقط أن يتأمل الأخبار الغريبة التي تنشر عن حالات مفزعة عن مواطنين يمنيين لا يعيشون كما يعيش البشر ؛بل لا يعيشون كما تعيش حتى الحيوانات.. ومن تلك الأخبار نقرأ الآتي:

 

  - يمني يأكل الزجاج ولا يهنأ له أكل إلا به!

 

  - يمني يأكل التراب!

 

  - يمني يأكل الثياب!

 

  - يمني يأكل الثعابين والعقارب السامة!

 

  - يمني يعيش على شرب زيوت السيارات المستعملة!

 

هذه بالطبع إنجازات لا يحبون الإشارة إليها أو وضعها في قائمة: فين أيامك.. إنكارا للذات وكرها للأضواء! وبالمناسبة فقد سمعت طرفة لها علاقة بالموضوع بعد انتخابات 1993، وكانت الأوضاع المعيشية صعبة والغلاء متواصل.. وقال أحدهم شاكيا من ارتفاع الأسعار: [ ارتفعت أسعار اللحوم قلنا بنأكل سمك قاموا رفعوا أسعار الأسماك.. قلنا خلاص بناكل بيض قاموا رفعوا أسعار البيض! قلنا خلااااص بناكل تراب.. قاموا عملوا حملة .. نظافة للشوارع!].

 

تزوير مصري!

 

لا تستغربوا تزوير الاستفتاء على دستور العسكر والفنانات كما يسخرون منه في مصر.. فعودة نسبة 99% هو تأكيد على أصالة فهم العسكر للديمقراطية، وهو تراث عريق أسسه العسكر منذ ستين سنة في مصر المنكوبة بهم، وما يزال العكفة يتفاخرون به كما يتفاخرون بأن هزيمة ثلاثة جيوش عربية في عدة ساعات عام 1967 ليست فشلا؛ لأن إسرائيل فشلت في إسقاط الأنظمة والعروش، ونجحت في تحطيم الجيوش واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة فقط لا غير.. يعني الحمد لله جاءت سليمة.. والدليل أن وزير دفاع إحدى الدول المهزومة صار بعد ثلاثة أعوام رئيسا للجمهورية.. وقائد الجيش المصري أعفي من منصبه ؛أو على الأدق هو الذي أعلن استقالته؛ وعرض عليه ترضية أن يكون نائبا لرئيس الجمهورية بدلا من قيادة الجيش، ولولا أنه كان طماعا وأراد أن يعود إلى منصبه (لأن ما فيش أحد أحسن من أحد.. ويا نروّح كلنا يا نبقى كلنا!).. لولا ذلك لظل نائبا للرئيس وربما ورثه في المنصب.. وفيما بعد اضطر إلى الانتحار ليس حزنا على الجيش المصري ولا شعورا بالعار من الهزيمة المذلة ولكن.. لأنه لم يستطع أن يعود قائدا عاما للجيش المصري!

 

قبل الاستفتاء المصري المزور كان العسكر يسخنون خبراتهم في التزوير؛ فأعلنوا بعد ثلاثة أيام فقط من حادثة تفجير مقر الأمن العام في محافظة الدقهلية أنهم تعرفوا على هوية منفذ التفجير الانتحاري بعد تحليل ال dna ، وعرفوا من خلال النتيجة أنه مسؤول جماعة أنصار بيت المقدس بالمحافظة!

 

التزوير الذي حدث يتضح إن عرفنا أن عملية الفحص المماثلة تحتاج إلى  أسبوعين قبل معرفة النتيجة لكن تراث التزوير المصري عملها في 3 أيام (موسم بقى.. كل عام وأنتم بخير!).. هذا أولا.. أما ثانيا فحتى يتم التعرف على هوية صاحب العينة في مثل هذه الفحوصات فلا بد من أخذ عينة من قريب له: أب- أخ... والسؤال: كيف عرفت الداخلية المصرية هوية الانتحاري المزعوم قبل أن تعرف أقاربه وتأخذ عينة منهم؟

 

إذا عرفت الإجابة عن هذا السؤال فسوف تعرف كيف يتم تزوير إرادة المصريين منذ ستين سنة!