�عز ــ وجدي السالمي: للنساء في الجيش اليمني حكاية لم تصل إلى خواتيمها السعيدة، إذ لم تكتمل فرحة ابتسام محمد المقدم (24 عاماً)، بضم اسمها إلى قوام الجيش والأمن ضمن عملية إعادة بناء الجيش ودمج “المقاومة الشعبية” في صفوفه، لكونها تعرّضت لعملية إقصاء، تمثّلت بحذف اسمها ومعها كل النساء المجندات من كشوفات الراتب. في هذا السياق، تحدثت ابتسام عن تجربتها لـ”العربي الجديد”، قائلة إنها “شاركت في الحرب ضد الانقلابيين من خلال الدعم الذي كانت تقوم به مع صديقاتها للمقاومة، فكانت تساعد في إعداد الطعام للمقاومين وجمع التبرعات وشراء بعض الاحتياجات، كما شاركت في عملية انتشار أمني في نقاط تفتيش على منفذ الضباب جنوبي تعز، بعد أن حدثت عملية تسلل لعناصر من الانقلابيين بثياب نسائية”. وأضافت بأنها “في بعض الفترات اضطرت لحمل السلاح للاستعداد لأي طارئ، وقد استبشرت حين تم ترقيمها ضمن قوام الجيش واستلمت راتبها، لتفاجأ بأن اسمها قد تمّ إسقاطه بعد ذلك. وهذا سلوك متجذر للأسف في المجتمع الذي ينظر للمرأة نظرة دونية ولا تحضر إلا في الشعارات السياسية، بينما يتم معاملتها باستنقاص ومصادرة الحقوق والنظر لها باعتبارها عيبا يجب أخفاؤه”. تجربة انضمام النساء للجيش في اليمن قديمة، وواجهت الكثير من الصعوبات وتمّت إضافة مئات النساء إلى قوام الجيش في تعز بعد مشاركتهن الفاعلة في صفوف “المقاومة”، بمهام محدودة كالجوانب الطبية والإغاثية، ومداهمة منازل مشتبه بهم. ثم بوشر تجنيد وتدريب المئات منهن في صفوف الألوية العسكرية التابعة لمحور تعز وكذلك في صفوف الأمن، قبل إسقاط أسمائهن من كشوفات الراتب من دون إبداء الجهات المختصة لأسباب ذلك. إسقاط العنصر النسائي من قوام الجيش والأمن أحدث حالة من الاستياء، فأصدرت المجندات التابعات للواء 22 ميكا بياناً رفضن فيه إسقاط أسمائهن من كشوفات المرتبات ومن وظائفهن المعتمدة. وطالبن الجهات المعنية بوضع الحلول العادلة التي تضمن حقوقهن المشروعة، والمتمثلة باستكمال توزيعهن في وظائفهن وفقاً للتخصصات المحددة لهن. وأضاف البيان الصادر عن المجندات بأنه “قد تم ترقيمهن من قبل لجنة الترقيم الخاصة والتي أصرت حينها على ضرورة وجود نساء، وتم صرف الأرقام العسكرية والبطاقات العسكرية لهن وكما استلمن راتب شهر أسوة بزملائهن المجندين. وطلبت منهن قيادة اللواء 22 ميكا الالتحاق باللواء ضمن الاحتياج. وأوضحت قيادة اللواء 22 ميكا في طلبها أنها بحاجة لنساء كشرطة نسائية يقمن بعملية التمريض في قسم التمريض والسكرتارية والشرطة النسائية، فلبين الواجب الوطني ومارسن المهام الموكلة إليهن على أكمل وجه وعددنا حينها لا يتجاوز 30 مجندة يمثلن نواة الشرطة النسائية التي التحقت بالمقاومة من بداية انطلاقتها في 15 أبريل/نيسان 2015”. من جهتها، اعتبرت دائرة المرأة في الحزب الاشتراكي اليمني بتعز، في بيان أن “النظرة الدونية والانتقاص من حقوق المرأة وإسقاط أسماء النساء من كشوفات الرواتب تنم عن عقليات لا إنسانية، ولا تمت بصلة للعصر ولمخرجات الحوار الوطني، التي تنصّ على حق المرأة اليمنية بالحصول على نسبة لا تقل عن 30 في المائة للمشاركة في مختلف مجالات ومستويات السلطة والعمل العام”. بدوره، أفاد مصدر مسؤول في قيادة محور تعز، لـ”العربي الجديد”، بأن “إسقاط النساء من كشوفات الجيش والأمن، جاء نتيجة توجيهات وأوامر من القيادة العليا، وتحديداً من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وقيادة التحالف العربي، وبأوامر صريحة لا نقاش حولها”. وأضاف أن “الأمر ليس بيد المحافظ ولا قائد المحور، والمحافظ وقيادة المحور يعملون على إيجاد معالجة وحلول للمجندات اللواتي تم إسقاط أسمائهن، وعددهن حوالي 200 امرأة، سواء لتوظيفهن في السلك المدني والضغط من أجل ذلك أو تحويلهن كشرطة أمن ضمن الأمن، وهناك بوادر ايجابية لإضافتهن في قوام الأمن، لكن حتى الآن لم يتم ذلك بشكل فعلي”. تمّت إضافة مئات النساء إلى قوام الجيش في تعز بعد مشاركتهن الفاعلة في صفوف المقاومة وكانت تعز قد شهدت في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 حفل تخرج أول دفعة شرطة نسائية بحضور قائد “المقاومة الشعبية” الشيخ حمود سعيد المخلافي، واستعرضن بعض المهارات القتالية التي تدربن عليها، وتمثلت مهمتهن الرئيسية بالتعامل مع القناصة الحوثيين الذين يتسللون إلى مناطق “المقاومة” بأزياء نسائية، ما يجعل مهمة الشرطيات تتمثل بالتفتيش الدقيق للنساء من أجل تأمين مناطق “المقاومة”. كما تخرجت دفعات أخرى من المجندات أبرزها “دفعة الأمل” التابعة للواء 35 مدرع، التي ضمّت 86 مجنّدة تدربن لمدة 6 أشهر على مهارات الكاراتيه وقتال الشوارع والاقتحامات وتفكيك وتركيب الأسلحة والرماية، إضافة إلى التدريب على عملية اقتحام البيوت والمباني وغيرها من المهارات. وكان من المقرر قبل إسقاط النساء من قوام قوات الجيش، أن تصبح هذه الدفعة شرطة عسكرية تابعة للواء 35 مدرع، ومهمتها جانب أمني بحت. ووفقاً للدائرة الإعلامية في اللواء 35، فإنه “عندما تم تشكيل لجنة لاستقبال النساء في التجنيد، كانت أعداد النساء المتقدمات لطلب التجنيد كبيرةً. وقد تقدمت مئات الشابات المتحمسات لخدمة الوطن، إلا أن لجنة القبول لم تستوعب هذا العدد واكتفت بقبول 130 متقدمة، وخلال فترة التدريب تقليص العدد إلى 86 مجندة، وبالفعل استلمن أول راتب، قبل أن يتم إسقاط أسمائهن بالكامل من كشوفات الراتب بعد ذلك”. رشا عبد الكافي (25 عاماً)، طالبة في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، وهي مساعدة مدرب “دفعة الأمل”، قالت إن “جميع المجندات في دفعة الأمل خضعن لتدريبات عسكرية وقتالية على اللياقة البدنية، والجري لمسافات بعيدة، الكاراتيه، وقتال الشوارع، وتفكيك وتركيب أسلحة، والرماية، إضافة إلى التدريب على عملية اقتحام البيوت والمباني”. وشدّدت على أن “كل سرية في الدفعة تستطيع الآن تنفيذ مهمة التفتيش وعملية الاقتحام لأي مبنى بوقت قياسي، وهو الهدف الذي تم تدريب الدفعة عليه”. وأضافت عبد الكافي أن “ما دفعها للانخراط في الجيش هو الواجب الوطني”، مشيرة إلى أنها “ستعود لإكمال دراستها بعد عملية التحرير، ولن تتخلى عن مهنتها كصحافية. ولفتت إلى أنها “لم تكن ترغب أن تحمل السلاح ولا في أي يوم من الأيام، لكن الوضع من أجبرها على ذلك”. وأبدت أملها في أن “يتم معالجة وضعهن بعد سقوط أسماء كل النساء من كشوفات الجيش في تعز”. تخرجت دفعات أخرى من المجندات أبرزها “دفعة الأمل” التابعة للواء 35 مدرع تجربة انضمام النساء للجيش في اليمن قديمة، وواجهت الكثير من الصعوبات بحسب سارة علي، وهي إحدى عناصر قوات مكافحة الإرهاب قبل الحرب وبرتبة ملازم، والتي تحدثت عن تجربتها لـ “العربي الجديد”، فقالت “كنت مع المئات من المجندات ضمن قوات مكافحة الإرهاب وتم إعدادنا وتدريبنا على كثير من المهارات القتالية. كما تلقينا دورات تدريبية مكثفة وتركزت مهمتنا بشكل رئيس في عمليات التفتيش والاقتحامات وحماية المؤسسات لكننا كنا نتعرض للكثير من المضايقات من المجتمع، الذي لم يتقبل فكرة انضمام المرأة للجيش والأمن. وهذه الثقافة انعكست على تعامل الجهات الرسمية معنا فكانت حقوقنا دائماً ما تصادر لصالح القيادات العسكرية العليا، كما أن الاهتمام بالمجندات كان اهتماماً موسمياً لإرضاء أجندة دول ومنظمات خارجية لا أكثر”. من جانبه، اعتبر المحلل العسكري العقيد عبدالملك البعداني، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، بأن “الحرب في اليمن قد كسرت العديد من الحواجز لدى المرأة اليمنية التي تعايشت مع الحرب وأحداثها، وأدى ذلك إلى تزايد ميول المرأة اليمنية بالانضمام للسلك الأمني والعسكري في ظل احتياج الجيش والأمن لنساء في صفوفه، من أجل تنفيذ العديد من المهام التي تكاد تكون حكراً عليهن، تحديداً مهمة تفتيش النساء. وبالفعل بدأت بعض الجهود في ضم النساء للجيش والأمن وهي خطوة ممتازة لكن للأسف فوجئنا بأنه تم إسقاطهن من كشوفات الراتب لتصبح الثقافة المجتمعية الخاطئة هي السائدة والتي تمنع على المرأة الانشغال بمثل هذه المهن”. – العربي الجديد