�ستقبل المدن اليمنية عيد الفطر للعام الثالث وهي تعاني تداعيات الحرب، ويطل على اليمنيين مثل كابوس وهم مطاردون بأزمات لا تهدأ، يصارعون الفقر والجوع ويعانون من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتوقف مصادر الدخل، وفاقم ذلك كله توقف رواتب نحو مليون موظف حكومي يعيلون حوالي 7 مليون نسمة، للشهر التاسع. وتلخص صورة نشرها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، وضع اليمنيين في العيد وكيف أن الحرب أعادتهم الى العصور الأولى ويعيشون في غابة تغيب عنها الخدمات وكل مظاهر الحضارة الحديثة ومنها الملابس . حيث قام أحد الآباء من مدينة تعز ( جنوبي غرب اليمن) بنشر صورة لطفلته، وقد قام بتغطية بعض أجزاءها بأوراق كبيرة من الشجر ، في تعبير يجسد عدم قدرته على شراء ملابس جديدة للعيد. و بدت الطفلة شبيهه بشخصية ( ماوكلي) فتى الأدغال، وهو شخصية في مسلسل كرتوني للأطفال يحمل نفس الإسم، وبطله طفل يلبس أوراق الشجر ويعيش في الغابة ويتحدث مع حيواناتها . وقد أعاد عشرات الناشطين نشر الصورة مع عنوان: ملابس العيد في اليمن، وقال الناشط عبد الله مهيوب، في تعليقه على إحدى الصور: "ملابس العيد لهذا العام في اليمن، رجعونا الى عام 3000 قبل الميلاد (يقصد جماعة الحوثيين). وتعجز آلاف الأسر اليمنية عن شراء ملابس جديدة في العيد لأطفالها وتعتمد على مساعدات جمعيات ومؤسسات خيرية تقوم بتوزيع كسوة العيد أو يمر العيد عليها حزيناً وباهتاً بلا ملابس وبدون حلويات، فيما تلجأ عائلات الى شراء ملابس قديمة من أسواق ( الحراج) . وأعادت الحرب ترتيب أولويات اليمنيين في عمليات الشراء والتسوق بمناسبة العيد، ولم يعد التسوق وشراء الملابس أولوية، كما تغيب الحلويات والمكسرات عن قائمة متطلبات العيد والواضح أن الظروف الاقتصادية، التي يعاني منها هذا البلد غيرت أولويات اليمنيين، حسبما يؤكد عارف الشيباني الذي يعمل موظفاً في إحدى الجهات الحكومية. وقال الشيباني لـ"المصدر اونلاين" اعمل محاسباً في إحدى الجهات الحكومية بصنعاء ولدي ثلاثة أطفال، وقد أدى توقف راتبي ل9 أشهر الى أن نعيش حالة تقشف داخل الأسرة ، ومنذ العام الماضي نشتري ملابس للأطفال بمقاسات أكبر قليلا، و نحتفظ بملابس عيد الفطر ليلبسها الأطفال في عيد الأضحى، ولا نزال نحتفظ بها ليلبسها الأطفال هذا العيد". ويعيش نحو نصف سكان اليمن البالغ تعدادهم حوالي 26.8 مليون نسمة في مناطق متضررة بشكل مباشر من الصراع. ويحتاج أكثر من 21.1 مليون يمني (80% من السكان) إلى مساعدات إنسانية، وقد اضطر 2.8 مليون يمني إلى النزوح قسرا داخل البلاد. وتقول الأمم المتحدة، إن اليمن الغارق في الحرب والأزمات يعاني واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، وإن نحو 17 مليون من سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليون نسمة يفتقرون إلى الغذاء الكافي وإن ثلاثة ملايين طفل على الأقل يعانون سوء التغذية ويواجهون "خطراً كبيراً". ولا تقتصر تداعيات الحرب والأزمات المعيشية على المواطنين الذين فقدوا مصادر دخلهم والموظفين الذين توقفت رواتبهم ، فالشركات التجارية والتسويقية عانت أيضا من ركود في نشاطها نتيجة الحرب والصراعات، مقارنة بالأعوام السابقة، فقد تراجعت مبيعات مختلف السلع الكمالية وأولها الملابس بشكل ملحوظ، نظراً لتركيز المستهلكين على شراء احتياجاتهم الضرورية. وأوضح تجار للملابس الرجالية في العاصمة لـ"المصدر اونلاين " أن المبيعات في هذا الموسم تكاد تكون معدومة وعند مستوى الصفر، ويقول أديب الدبعي، تاجر ملابس رجالية، إن تدني القدرة الشرائية للمواطنين أفضى إلى إحجامهم عن شراء الملابس الرجالية ، وانه خلال أول أسبوعين من رمضان لم تتجاوز أرباح مبيعاته 16 ألف ريال". وفي العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة تحالف المتمردين الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، تحضر مظاهر العيد جزئيا في بعض المناطق ، ونرى زحمة الأسواق في شارعي حدة الذي يصنف بأنه " حي الأثرياء " وشارع هائل وهو أحد أهم مراكز التسوق بالمدينة . لكن أصحاب المحال التجارية يقولون بأن زحمة الأسواق وهمية وليست حقيقية ، ويقول محمد الجرموزي ، تاجر للملابس الجاهزة :" هناك زبائن لكن لا مشترين ، حركة الأسواق تقتصر على تجول الزبائن فقط ضمن المحلات، و أكثرهم يأخذون الكثير من وقتنا لكنهم لا يشترون ،ونعاني ركود وتراجع في حركة البيع والشراء". وأوضح الجرموزي ل" المصدر اونلاين" ، إن الشارع لم يشهد ركوداً مثل الذي يعيشه هذه الفترة، وفي موسم للتسوق بمناسبة العيد ، وأن المبيعات حاليّاً لا تكاد تغطي تكلفة الإيجارات وأجور العمال".، وتابع "في عيد الفطر بالأعوام الماضية قبل كانت الأرباح اليومية تتجاوز مليون ريال (حوالي 5 آلاف دولار)، لكن حاليّاً لا تصل إلى أكثر من 30 ألف ريال (حوالي 90 دولاراً)". وأدى تراجع معدلات الدخل في اليمن إلى انهيار القدرة الشرائية للمستهلكين لمستويات متدنية خلال العام عامي الحرب، حيث وصلت نسبة تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين إلى 80%، مقارنة بالأعوام السابقة، وسط تأثير كبير على النشاط الاقتصادي الذي يديره القطاع الخاص في البلاد، حسب دراسات اقتصادية. وفي العاصمة المؤقتة عدن ( جنوبي البلاد) حيث مقر الحكومة ، تسبب ارتفاع الأسعار الى مستويات قياسية في ركود حركة الأسواق خلال شهر رمضان ، وفي حرمان ألاف الأسر من شراء ملابس العيد لأطفالها . وارتفعت صرخات سكان عدن من ارتفاع أسعار الملابس قبل العيد ، وكتب رئيس تحرير صحيفة عدن الغد فتحي بن لزق ، في صفحته بموقع التواصل فيسبوك ، عن واقع ارتفاع الأسعار في المدينة ، وقال :" انصح الأسر العدنية التي تريد شراء ملابس بأسعار رخيصة واحتياجات العيد ان يسافروا الى صنعاء لشراء احتياجاتهم من المولات التي تم افتتاحها هناك خلال فترة الحرب وما بعدها ، هناك سيجدون كل احتياجاتهم من ملبس بأسعار رخيصة مقارنة مع ما يباع في عدن". و اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن يوسف سعيد، أن انخفاض الطلب على الاستهلاك بشكل عام يشمل جميع المدن اليمنية وليس حالة مميزة لمدينة عدن فحسب ، وأن تراجع الطلب والزحام على التسوق يرجع غالبا لتدني القدرة الشرائية. وقال سعيد، لـ"المصدر اونلاين "، " الناس في عدن لم تعد تمتلك السيولة، فدخل الأسرة التهمه التضخم ، خاصة وان معظم سكان عدن هم من الموظفين أصحاب الدخل المحدود ، وخلو الأسواق يوضح أن المستوى المعيشي للمواطنين في عدن تدهور بشكل غير مسبوق، مقابل ارتفاع مستويات الفقر ، والمفارقة انه بالتوازي ارتفعت أسعار الملابس بشكل خيالي ". وكانت مدينة عدن وجهة اليمنيين من جميع المحافظات في الأعياد وملاذاً لمن أراد قضاء إجازة سعيدة، لكن الحرب وانعدام الدخل حولت إجازة العيد إلى ترف ، كما تسبب النبرة المناطقية لدعاة الانفصال إلى إحجام الشماليين إلى السفر إلى المدنية الجنوبية لقضاء إجازة العيد . ويغيب العيد بشكل كلي وتختفي مظاهره تماما في مدينة تعز ( جنوبي غرب اليمن) والتي تشهد معارك مستمرة ويفرض الحوثيين حصارا عليها بسيطرتهم على المنفذين الشرقي والغربي ، فيما تهدد عصابات مسلحة حركة التسوق وأدت الى احجام العائلات عن الخروج الى الأسواق ، خاصة بعد اختطاف امرأة خمسينية تعمل مديرة مدرسة أهلية ، قبل أيام ، وسرقة مصوغاتها وقتلها ثم رميها في ممر لمجاري السيول . وقال جهاد مقبل ، موظف ، :" العيد اليوم لا طعم له في تعز ، لا زال الحوثيون يقصفون الأحياء السكنية عشوائيا وهذا يمنع الناس من الخروج أو الاحتفال أو القيام بزيارات للأقارب ، كما أن حديقة الألعاب الوحيدة التي تمثل متنفس للسكان في العيد لا تزال تحت سيطرة الحوثيين وهي مهجورة وربما تحولت الى موقع عسكري ". وإجمالا ، يطل عيد الفطر على اليمنيين كباقي الأيام العادية ، حزينا وخاليا من مظاهر الفرحة ودون مشاعر البهجة ، وقد باتوا غارقين في الفقر ومطوقين باليأس والإحباط الشديد بسبب إطالة أمد الحرب، ولعل أدق تعبير يردده اليمنيون في مواجهة أعباء العيد قولهم :" أن العيد لمن استطاع إليه سبيلا ". المصدر أونلاين