العيد الخامس خلف القضبان.. الصحافيون المعتقلون لدى الحوثي يتقاسمون الألم مع أسرهم
2017/06/25
الساعة 09:36 مساءً
(هنا عدن - متابعات يمن مونيتور )
يتقاسم الصحفيون المعتقلون الألم مع أسرهم من خلف الحواجز والقضبان، فبينما تغيب الشمس وتختفي وجوه الأحبة عنهم داخل أقبية السجون الحوثية، فلا يتورع الجلاد الناقم من ممارسة غواية الانتقام على أجسادهم وتحطيم آمالهم المشرقة في زوايا قضيتهم وحريتهم.
تضيق الأرض ذرعا بأسرهم المسجونة في الفضاء المفتوح، مع مرور العيد الخامس وهم في السجون، وتختنق البسمة على شفاه أهاليهم في معتقل كبير يضم معالم الحياة إلا وجه الابن المنهك في زنازين الموت الحوثية.
من بين 21 صحفي مختطف يقبع عشرة صحفيون في قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها بضعة مترات مبنية بأربعة جدران وسقف، يتوسط أحد جدرانها باب عبره يمر الهواء والأكل والماء بين الحين والآخر، ومنه أيضاً يطل الظلم والحرمان وسوطا قذرا، وتتكدس أمامه آثام السجون وحراستها فيغدو مختنق بركام الاستعباد الذي خلفه أعداء الإنسانية.
خمسة وعشرون شهراً هي حياة قضوها - ولا يزالون - العشرة الصحفيين المختطفين في جوف العتمة تحت آلة التعذيب والإذلال والحرمان الجاثية على صدورهم منذ اليوم الأول لاختطافهم.
جسد أنهكه التعذيب
الصحفي عبدالخالق عمران ذو الجسد النحيل والروح الكبيرة والمغيب منذ أكثر من عامين في سراديب الظلمة التابعة لتحالف الحوثي "صالح" بصنعاء، لا يحتمل جسمه الضعيف إرهاب الحوثي وتعذيبه الذي تسبب بألم في عموده الفقري أقعده عن الحركة تماماً، ولا يخلو موضع في جسمه من ضربة سوط أو جرح يد أثمة لترسم المعاناة على تقاسيم هيئته العنيدة بوجل.
أسرته الذي أُعيت بها السُبل وهي تحاول عبر مطالبات ومناشدات لضمائر العالم نقله للعلاج وتلافي الأوجاع - الذي تسببت بها سلطة الأمر الواقع كعصابة حاكمة في صنعاء - قبل استفحالها فيصطدموا برفض الحوثيين متعمدين إمعانها في ترسيخ القهر والألم على جسد عبدالخالق لعله يكفر بقضيته العادلة وحق حرية الرأي والتعبير.
المحقق كلب بوليسي
صلاح القاعدي صحافي آخر فقد حاسة السمع وتعطلت إحدى أذنيه جراء الضرب واللكم الذي تعرض له أثناء التحقيق ووابل الشتائم والسب الذي كان يفرزه لسان المحقق على شكل حقد وانتقام أشعلا قلبه المغروس في الحقد من الرأي والتعبير الذي يخالف توجهه وجماعته، وهو ينظر لشموخ صلاح أمام الجلاد الأخرق، وفي نشوة غيضه يرسل كلبه البوليسي ليكمل مهمته ويقاسمه الذنب والتعذيب بحق هذه الروح الرافضة للخنوع المشبعة بوهج الحرية وكبرياء النضال.
صيادو الصحافة
لا تقل الحالة الصحية للصحفي توفيق المنصوري خطورة عن حالات زملائه الصحفيين، وكغيره من المختطفين الصحفيين أُخضع لجلسات تعذيب وحشية فاقت حدود الإنسانية في قاموس الجلادين، لتتدهور حالته الصحية ويصاب بأمراض القلب وضيق التنفس وتورم البروستات، كما أشار بلاغ لنقابة الصحافيين في "ابريل/نيسان" الماضي، وطالبت فيه بنقل المنصوري إلى المشفى لتلقي العلاج وحملت مليشيا الانقلاب بصنعاء مسؤولية حياة توفيق وزملائه.
لا شيء يوقف توحش الحوثيين ضد الصحفيين، عشرات البلاغات والبيانات الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية تطالب الحوثيين بالأفراج الفوري عن الصحفيين المختطفين كونهم معتقلي رأي، لكن المليشيات ترمي بكل تلك المطالبات وترسل شياطينها نحو الصحافة والصحفيين.
بقايا تذروه الأوجاع
أكرم الوليدي الصحفي المخفي وراء ملامح مجهولة ظهرت لهول ما يعيشه في زنازين البرابرة، تزوره والدته فلا تعرفه، فقط تُشبه هذا الشبح الذي يرتدي هيئة إنسان بأبنها الجميل أكرم، وتتفاجأ به أصبح بقايا تذروه الأوجاع والأمراض فتجهش بالبكاء.
أكرم الوليدي منحته جماعة الحوثي مرض القولون العصبي ومنعت عنه الدواء، لتذهب ابتسامته وتبقى شهادة على بشاعة جائحة الحوثي لليمن.
تقول شقيقة أكرم لـ"يمن مونيتور" بأن والدتها منذ زيارتها له غرقت في حزن عميق وغصة ملامح أكرم الهزيلة حنجرتها فلا تهمس إلا دماً.
"لا عيد ولا شيء"
اعتقلت الميليشيات الانقلابية الصحفي حسن عناب واختطفت معه بسمة أربعة أطفال وزوجة أنهكها الحزن والانتظار، وأبوين في الريف شاخا قهرا وكمدا على غياب ابنهما الذي تعودوه بينهم كل فرحة ومناسبة واختفاء دون سابق إنذار.
تقول زوجة حسن لـ"يمن مونيتور": كلما تقترب مناسبة نحس بحزن شديد وأكثر من الأيام العادية التي نعيش بدون حسن، مثلا وقت الفطور يقولوا الأولاد بابا يحب هذه الأكلة وهذه ويعددون أكلات والدهم المفضلة وما كان يعمله، ثم يتساءلون (أيش يأكل بابا الآن؟ وفين يأكل؟ لما تسد نفوسنا وما نقدر نكمل فطورنا) وتتكرر هذه المواقف في كل رمضان وعيد من يوم اختطاف أبوهم.
(بابا مش موجود عندنا ما معناش عيد ولا شيء)، بهذه العبارة يستقبل أطفال حسن عناب العيد الخامس بعيدا عن والدهم المغيب في سراديب العتمة.
الحزن يعتلي كرسي الفرحة
فاطمة حميد – شقيقة الصحفي حارث حميد- تتسأل في حديث لـ"يمن مونيتور" أي حال عدت به لنا يا عيد؟ مرت علينا أربعة مواسم عيدية بحزنها الثقيل ولا يزال حارث في السجون، يقضي رمضان والعيد بعيدا عن والدتي ووالدي الذي لا تفارق الدموع عيناهما.
تضيف فاطمة في بيتنا يتربع الحزن كرسي الفرحة والبهجة، تخلو ليالي العيد من البسمة ومظاهر الاحتفال، لا نشعر بنشوة العيد في غياب حارث أيقونة سعادتنا وابتسامة الأطفال الذي يتساءلون عنه، لماذا لم يعود لنا حارث؟
قرية مفجوعة
هشام طرموم الناسك في حزنٍ أزلي، لا تستطيع أن تتخيل ملامحه الطيبة تنتهك بلا رحمة وبراءته تزهق على يد جلاد منح نفسه حق التصرف بحياة المعتقلين.
وجه هشام البشوش تحول محراب تتبتل فيه أوجاع وأحزان لا نهاية لها تمتد حتى تصل أسرته في القرية المفجوعة بسجنه، والدته أصبحت نهباً للألم، وتهديها بعده العصابات الحوثية عذابا لا تحتمله امرأة تُشيخ بصمت على ولدها المعتقل ظلماً.. مرض القلب والتيفوئيد وضعف النظر واضرابات المعدة من القلق، زوار جدد ينهشون جسد امرأة مسنة، ولم يكتفي الأمر بوالدة هشام بل طال الهم والمرض أفراد أسرته المنكوبة بحال هشام البائس.
فرحة مفقودة
(نحن مثل أي أسرة مختطف أو مخفي نعاني ويلات الحرمان وفقدان لذة الفرحة بالعيد ) يقولها محمد بلغيث شقيق الصحفي عصام بلغيث والغصة تخنق أنفاسه وهو يتذكر عصام وطقوس حضوره بينهم في مثل هذه المناسبات والأيام.
يستذكر محمد فيقول لـ"يمن مونيتور": كان عصام في كل سنة من رمضان أو قبل عيد الفطر أو الأضحى أو يهل علينا بابتسامته الجميلة ويضيئ البيت بالسعادة وتعم الفرحة أسرتنا، نفرح بالعيد لان عصام بيننا وكانت والدتي ووالدي تظهر البسمة والطمأنينة على محياهم وتغمرهما الفرحة بلمتنا كلنا في العيد، ولكن ميليشيات الحوثي حرمتنا تلك الفرحة لأعياد أربعة على التوالي وغيبت مصدر سعادة منزلنا في زنازين انتزاع الأفراح التابعة لها.
هشام اليوسفي وهيثم الشهاب أيضاً كان لهم نصيب من عبث الحوثيين بأرواح البشر، ولا تختلف أوجاعهما ومعاناة أسرهما عن سابقيهم من المختطفين، يقبعان في ذات الزنزانة المكتظة بالظلم والقهر والألم.