�لموقع بوست- ياسين العقلاني عودة ثنائي الفوضى في الجنوب (عيدروس الزبيدي، وهاني بن بريك) إلى عدن في هذا الوقت هو إعلان بدأ الفصل الثاني من الصراع مع الشرعية بعد أن أعلن تشكيل ما يسمى بالمجلس الانتقالي لإدارة محافظات الجنوب قبل نحو شهرين. عقب صدور قرارات الرئيس التي أطاحت بثلاثة محافظين محسوبين على المجلس المزعوم، خرج القيادي السلفي المدعوم من الإمارات "بن بريك" يلوح باستخدام القوة لتحقيق مطالبهم معتبرا ذلك حقا مشروع، وهذا إعلان حرب صراحة، يشبه خروج عبدالملك الحوثي رافعا سبابته ملوحا باستخدام القوة قبل اجتياح صنعاء، وإسقاط الدولة. وفي أقل من أسبوع من صدور القرارات وصلا الثنائي المثير للجدل إلى عدن بطائرة خاصة من أبو ظبي، يرتدي أحدهم ثوبا ابيض وعمامة مربوطة على رأسه بالطريقة الإماراتية، بعد ذلك اقلتهما مدرعة وجنود مدججين بالسلاح في موكب كبير إلى حيث اقامتهما، فكليهما لا يملك صفة رسمية، يضاف إلى أن أحدهم محال إلى التحقيق، لكنهما يمتلكان كيان عسكري موازي للدولة تموله الإمارات، وتدعمه بالأسلحة، وتغذيه بالكراهية. سبق وصولهما بيوميين عبر مسؤول في الحكومة عن استهجانه الاتهامات التي أطلقها "الزبيدي" على نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن، واتهم المصدر الحكومي الزبيدي بانه إرهابي تموله إيران، وكان هذا التصريح الذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" يمثل تحول في لهجة الحكومة تجاه ممارساته. يبدو أن كيل الحكومة طفح من هذا الرجل الذي بدأ مسيرته ناشطا في الحراك الجنوبي، ثم قائد لجماعات مسلحة جرى تدريب أفرادها على أيدي خبراء من حزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان واقفا مع مليشيا الحوثي حتى قبل اجتياح عدن، ليظهر فجأة قائدا للمقاومة في الضالع، ثم احتضنته بعد ذلك "أبو ظبي" وقدمت له الدعم المالي والعسكري لتغذية وتشكيل مليشيات مناطقية ذات نزعة انفصالية وميول عقائدي أقرب ما تكون الى خليط بين عقائديين سلفيين، وحراكيين عنصريين تحت كيان "الحزام الأمني". وبعد يوم من اغتيال محافظ عدن الأسبق جعفر محمد سعد بظروف غامضة، ولم يكشف عمن يقف خلف ذلك العمل الإرهابي حتى اللحظة، عاد الرجل برفقة شلال عبر طائرة من أبو ظبي، وصدر تعيين الأول محافظا والثاني مديرا للأمن رغم أن الأخير ينتمي لمؤسسة الجيش وليس للمؤسسة الأمنية وهذا كان مخالفا للقانون، ولكن اتخذ الرئيس القرارات مجبرا ولم يكن له من خيار، فهو واقع تحت الوصاية. الاستقبال الذي حظي به الرجلان، وعقد اجتماع لأعضاء المجلس الانفصالي، والتحضير لفعالية جماهيرية يوم الجمعة التي تصادف تاريخ7/7، لاستعادة ما يسمى بجمهورية الجنوب العربي، وإطلاق الدعوات لأبناء الجنوب ان يهبوا إلى ساحة العروض في عدن ما هو إلا تدشين لمرحلة جديدة أكثر سوداوية قد تدفع الوضع في الجنوب وعدن تحديدا إلى الانفجار في الوقت القريب، وللجنوبيين سجل حافل بالصراعات الدموية البينية. استشعر رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر خطر عودة المتمردين الجدد و التصعيد في المحافظات المحررة، في الوقت الذي يخوض فيه الجيش الوطني معارك في مختلف الجبهات ولا سيما جبهة صروح في مأرب على حدود صنعاء، فيما تواجه الحكومة مشاكل كثيرة، الرواتب، و وباء الكوليرا، والوضع الأمني أبرزها . مقال "بن دغر" وبتلك اللهجة والتحذير من حرب غبية، يمثل قرع جرس الإنذار، ومناشدة الجميع بمن فيهم السعودية، وجماعة أبو ظبي " العائدون"، هو حذر وناشد بكل صراحة ونخشى أن لا يلقي تحذيره استجابة، وترك ثنائي الفوضى يمضي بخطواته التي تلتقي مع أهداف الانقلابيين في صنعاء، تقويض الشرعية. يخوض الرئيس وحكومته معركة مع أبو ظبي في الجنوب فبعد ان أطاح بعيدروس خرج مهرجي هذه الدولة واعلنوا صراحة أنهم ضد قرارات الرئيس، وشنوا حملة شعواء ضده وحكومته، وتطلب المشاورات قبل صدور تعيينات وكأنها حزب يمني، تتصرف كدولة احتلال وليس حليف جاء بطلب الرئيس الشرعي. قبل أيام سربت غرف المخابرات وثيقة مزورة تقول إنها توجيه من المنطقة العسكرية الرابعة بإخراج ألوية الحماية الرئاسية من عدن وتوزيعها على جبهات المخا وكرش، والإبقاء على مليشيا الحزام الأمني، ليخرج بعد ذلك قائد المنطقة العسكرية الرابعة وينفي صحة الوثيقة وأشار إلى أن قرار كهذا يتطلب قرار رئاسي، وهو ما يشير إلى وجود ضغوط وإلحاح إماراتي على الرئيس "هادي" لإخراج القوات النظامية لكي يتاح لها الوضع في عدن، وتنفرد بها كخطوة أولى لتجريد الشرعية من القوة ليسهل بعد ذلك فرض أمر واقع جديد. التغييرات الأخيرة، أخرجت "بن بريك" مهددا بالحرب مع الشرعية، اطلق التهديد من ارض الإمارات، الراعي الرسمي لتشكيل الكيانات الموازية للدولة بالجنوب، والمشرف على السجون السرية التي تدار من قبل "الحزام والنخبة"، وهو ما يشير الى أن تهديد "المطوع سكبه" جاء بإيعاز الداعم "الريموت كنترول " وتوقعوا يحدث الأسوأ. قد يستغل مجلس عيدروس ومن يقف خلفه انشغال الإقليم والعالم بالأزمة الخليجية، ويفجر الوضع عسكريا داخل عدن المكتظة بالقوات العسكرية من الطرفين، وأحداث فوضى قد تطال المنشآت النفطية، وستعمل على إرباك قوات الجيش الوطني في محافظات الشمال، وتشتيت جهود الشرعية، وهو ما سيعطي المجتمع الدولي مبررا لفرض تسوية سياسية، سيكون أبرز بنودها إزاحة هادي الذي جاء التحالف لاستعادة شرعيته. وبالتالي ستكون المملكة السعودية هي المتضرر الأكبر، فلا نجحت في تحقيق أهداف التدخل العسكري، وبنفس الوقت ستبقى مليشيات الحوثي "إيران" في خاصرتها، كطرف في ظل حكومة هشة وضعيفة شمالا، فيما ستنفرد الإمارات بالجنوب حيث الثروة، والجغرافيا الاستراتيجية. السؤال الأهم: هل السعودية راضية عما يحدث في المحافظات الجنوبية، هل تنازلت عن الملف اليمني وسلمته للامارات؟ كل المؤشرات حتى اللحظة تقول أن هناك تجاهل سعودي أو تغاضي وليس قبول، خصوصا أن الرئيس اتخذ القرارات الأخيرة بعد أن استدعت السعودية المحافظين المقالين، ولكنها لا تريد أن تتصادم مع حليفتها الإمارات، وتنتهج أساليب التهدئة، وامتصاص أي توتر على النفس الطويل لنحسن الظن، فبالأخير إذا انزلق الوضع في عدن إلى مرعب المواجهة فالمتضرر بعد الشرعية والشعب اليمني هي السعودية، ولا نتمنى ذلك. المؤكد حتى اللحظة ان الوضع مرشح للتصعيد وقد ينفجر بأي وقت ما لم تتدخل السعودية، وتنزع فتيل الفوضى التي أطلت برأسها، وتقديم الدعم للرئيس هادي لتثبيت دعائم سلطته من خلال حل التشكيلات العسكرية الغير نظامية، ودمجها في المؤسستين العسكرية والأمنية، واخضاع الجميع للشرعية حتى تتمكن الحكومة من التغلب على المشاكل الاقتصادية والخدمية ،والتوجه نحو تحرير بقية المحافظات ،أو الدفع نحو تسوية سياسية وفقا للمرجعيات، وإقامة نظام الدولة الاتحادي الذي يلبي تطلعات الجنوبيين لحكم ذاتي، غير هذا فلن يكون هناك استقرار على المدى القريب.