متابعات / خاصة
أنجز معهد "ستراتفور ويرلدفيو" الأمريكي للدراسات، بحثا عما وصفه بالداوفع الخفية للإمارات العربية المتحدة في اليمن.
واعتبر التقرير الصادر عن المعهد أن أبوظبي سوف تستمر في استهداف التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، كجزء من الحملة الأوسع التي تشنها الإمارات ضد كل ما هو منضو تحت مظلة هذه المنظمة ومدرستها الفكرية.
فيما اعتبرت الدراسة أن هذه الحملة ستقوض حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وتعمق مأزقها، وسوف تصعب أي تسوية مقترحة لإحلال السلام، وستزيد من مخاطر الفعل الذي سيرتد على الإمارات وشركائها في التحالف، كما أنه قد ينجم عن المساعي الإماراتية في نهاية المطاف تمكين أعضاء الإصلاح – وربما أيضاً القاعدة والدولة الإسلامية – بدلاً من أن يضعفهم.
وأشارت الدراسة إلى أنه و منذ أن انخرطت في الحرب الأهلية اليمنية قبل ما يزيد عن عامين، بذلت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها جهودا مضنية، ولكن بلا طائل، لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي المغلوب على أمره إلى السلطة.
وتضيف الدراسة " لا يقتصر الأمر على أن الحوثيين أثبتوا أنهم خصوم عنيدون وحازمون، بل يتجاوز ذلك إلى ما تقوم به الإمارات العربية المتحدة من حيث أنها تكشف باستمرار عن أولويات استراتيجية في اليمن كثيرا ما تتناقض مع الأولويات الاستراتيجية للرياض، ومن أهم هذه الاستراتيجيات إمعان أبو ظبي في ممارسة القمع ضد التجمع اليمني للإصلاح".
وتعتبر الدراسة أن تصعيد أبوظبي إجراءاتها لتقويض تجمع الإصلاح في اليمن بيهدد بإفشال أي تسوية سلمية يؤيدها شركاؤها في التحالف بينما تمكن في نفس الوقت للمجموعات المتشددة في كافة أرجاء هذا البلد الذي مزقته الحرب.
ويشير التقرير إلى أن حزب "الإصلاح"، يتكون من تشكيلة واسعة من القبائل اليمنية ورجال الأعمال المحليين والزعماء السياسيين الذين ما فتئوا يسعون إلى "أسلمة" الحياة العامة في اليمن.
و تشير الدراسة إلى أنه و بعد سنوات قليلة، بدا واضحاً أن المملكة العربية السعودية انساقت بالتدريج وراء الإمارات وتبنت نفس أسلوبها في التفكير، حتى أن الملك عبد الله بادر في عام 2014 بإعلان التجمع اليمني للإصلاح في اليمن منظمة إرهابية، إلا أن تغلب الحوثيين وتمكنهم من الاستيلاء على مقاليد الأمور في اليمن في العام التالي فرض على الرياض تليين موقفها تجاه الإصلاح، وخاصة بعد وفاة العاهل السعودي في عام 2015. ونظراً لأنه بات يواجه تهديداً وجودياً وعقائدياً من الحوثيين الزيدية، حول التجمع اليمني للإصلاح ولاءه نحو حكومة هادي وباتجاه التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية – الذي تدخل في الصراع الدائر في اليمن في إبريل 2015 عاقداً العزم على تمكين الرئيس من الاحتفاظ بموقعه في السلطة.
* التناقض الإماراتي مع السعودية في اليمن :
يبدو في الظاهر كما لو أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يسعيان إلى تحقيق نفس الأهداف في اليمن، فكلاهما يأملان في تنصيب حكومة موالية في صنعاء تكون مواقفها ودية تجاه مجلس التعاون الخليجي. وكلاهما يريدان إلحاق الهزيمة بالحوثيين، وتقليص النفوذ الإيراني، وإطفاء جذوة المتشددين المحليين بما ذلك منتسبي تنظيم القاعدة ومنتسبي تنظيم الدولة الإسلامية التي بدأت براعمها تتشكل داخل البلاد. ولكن، فيما وراء ذلك تبدأ أهداف البلدين بالذهاب في اتجاهات متباينة.
وما السياسة التي تنهجها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن إلا انعكاس لهذه الأجندة. فبينما تستهدف المملكة العربية السعودية استعادة الأمر الواقع السياسي الذي كان قائماً في اليمن قبل استيلاء الحوثيين على صنعاء، تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تغيير المشهد السياسي في البلاد حتى يصبح طوعاً لمصالحها ومنسجماً مع رؤيتها.
ولتحقيق هذه الغاية، عملت الإمارات العربية المتحدة – التي ترقد بأمان بعيداً عن التماس المباشر مع اليمن وقد فصلتها عنه كل من السعودية وعمان – على حرمان خصمها الأيديولوجي، أي جماعة الإخوان المسلمين، من الغطاء السياسي الذي تتمتع به هنا، ألا وهو التجمع اليمني للإصلاح.
ما لبثت القوات الإماراتية تشن على مدى ما يقرب من عامين ونصف حرباً صامتة على التجمع اليمني للإصلاح، وركزت كل جهودها في السيطرة على مدن وموانئ جنوب اليمن وفي نفس الوقت تدعم المقاتلين الانفصاليين في المنطقة لتمكينهم من كسب التأييد محلياً. ثم عمدت أبو ظبي إلى استخدام هذه القوات، التي أطلقت عليها اسم "الحزام الأمني"، لإلقاء القبض على المئات من المواطنين اليمنيين ممن تربطهم صلات بالتجمع اليمني للإصلاح أو غير ذلك من أشكال الإسلام السياسي واعتقالهم في شبكة لا تقل عن ثمانية عشر سجناً موزعة في أرجاء المناطق الجنوبية من البلاد.
ركزت بعض أجزاء من الحزام الأمني على محاربة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، والتي يجول مقاتلوهما بشكل متزايد في الصحاري والتلال الواقعة خارج مدن الجنوب اليمني. إلا أن الإمارات العربية المتحدة وحلفاءها في الميدان لا يرون فرقاً كبيراً بين هذه المجموعات والتجمع اليمني للإصلاح – على الرغم من أن الأخير فاز بما يزيد عن عشرين بالمائة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2003.
ونتيجة لذلك تركز اهتمام معظم قوات الحزام الأمني على التجمع اليمني للإصلاح، الذي تعرضت مقراته في عدن للاقتحام من قبل قوات الحزام الأمني التي ألقت القبض على أحد عشر من أعضائه على الأقل ووضعتهم رهن الاعتقال. وكان ذلك التحرك هو الذي سلط الأضواء على العمليات التي تجري ضد الإصلاح، الذي اتهمه مسؤول في الحزام الأمني بعد الهجوم مباشرة بأنه يتلقى المساعدة المالية من قطر، والتي ماتزال بدورها محاصرة من قبل السعودية والإمارات بسبب مزاعم متعددة منها الادعاء بأنها تدعم جماعة الإخوان المسلمين.
* سباق مع الزمن :
لن يكون إخراج التجمع اليميني للإصلاح من الساحة اليمنية أمراً يسيراً، فالتجمع منغرس في الحياة السياسية اليمنية، وهو واحد من مكونات التحالف الذي يرأسه هادي، ويحظى في أرض المعركة بمساندة قبيلة الأحمر القوية. بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم الإمارات العربية المتحدة بعد بديلاً أيديولوجياً واضحاً عن الإخوان المسلمين في اليمن، بل كل ما تفعله هو أنها تتعامل مع الإصلاح، الفرع اليمني للإخوان، كما تعاملت مع فرع الإخوان لديها – عبر الحل الأمني بدلاً من التسوية السياسية أو الاحتواء.
وحسب ما هي عليه الأوضاع الآن، لا تتوفر لدى أبو ظبي على الأرض في اليمن لا القدرات العسكرية ولا الإمكانات البشرية اللازمة لتحقيق هذه الغاية. وكلما ضغط الإماراتيون على الإصلاح كلما زادت احتمالات انشقاق حكومة هادي تارة أخرى.
بل ثمة خطورة في أن يدفع ذلك أتباع الحزب الحانقين باتجاه نفس القوى التي لجأ إليها أهل السنة المستضعفين في أماكن أخرى، أي القاعدة والدولة الإسلامية. ولعل مصر تقدم النموذج الأوضح في هذا المجال.
وهناك احتمال آخر ربما يتوجب على الإمارات أن تأخذه بالاعتبار. كلما طالت مدة تدخل التحالف الخليجي في اليمن كلما زاد احتمال أن يحاول المجتمع الدولي التوصل إلى صفقة سلام عبر التفاوض، وحينها لا مفر من أن تتوقف العملية التي تقودها الإمارات ضد الإصلاح.