توفي الفنان أبوبكر سالم بلفقيه عن عمر ناهز الثامنة والسبعين عاماً، بعد معاناة طويلة مع المرض تنقل فيها بين مستشفيات المملكة وألمانيا وعدد من المدن الأوروبية.
الفنان العملاق أبوبكر سالم أثرى الأغنية السعودية بمئات الأعمال الفنية الراقية، على رأسها أغنيته الوطنية يابلادي واصلي التي كانت آخر ماغناه الراحل خلال حفل اليوم الوطني السعودي في شهر سبتمبر الماضي.
ويعد "أبو أصيل" أبو بكر سالم بلفقيه "برج الرياض" رائد من روُاد الطرب الأصيل في المملكة والخليج العربي والمغنى الرائد على مر عقود من الطرب والموسيقى فقد تشرب الفن والأدب من أنقى ينابيعه الأصيلة وغدا أحد أعلام الفن الحضرمي خاصة والعربي عامة حيث أسس لنفسه مدرسة خاصة سميت باسمه وتتلمذ على يده جيلُ بأكمله.
ولد أبو بكر سالم بلفقيه في17 من مارس من عام 1939م في مدينة تريم التاريخية في حضرموت إلى أن انتقل للسعودية في سبعينيات القرن الماضي وعاش متنقلا بين عدن وبيروت وجدة والقاهرة إلى أن استقر في الرياض.
وتميز "أبو أصيل" بثقافته العالية التي انعكست وعيًّا فنيًّا واسعًا في تجربته الطويلة، كما تميز بعذوبة صوته، وتعدد طبقاته بين القرار والجواب، وبالقدرة على استبطان النص وجدانيًّا بأبعاده المختلفة فرحًا وحزنًا، كما تميز بقدرته على أداء الألوان الغنائية المختلفة، فإلى جانب إجادته للأغنيتين الحضرمية والعدنية، أجاد أيضاً الغناء الصنعاني الذي بدأ يمارسه منذ بداياته الفنية.
قدم "أبو أصيل" العديد من الأغاني الصنعانية منها: "قال المعنى لمه"، و"مسكين ياناس"، و"ياليل هل أشكو"، و"أحبة ربى صنعاء"، و"رسولي قوم"، ومن اللون الخليجي قدم "مجروح" و"أصيل والله أصيل" بالإضافة إلى القصائد الفصيحة لأبوقاسم الشابي وجده أبوبكر بن شهاب.
حقق الفنان الراحل أبوبكر سالم نجاحاً كبيراً على مستوى الجزيرة والوطن العربي عبر الحفلات الغنائية التي أحياها في مهرجانات الأغنية العربية المتعددة كما تغنى بأغانيه عدد من الفنانين الكبار من بينهم وليد توفيق وراغب علامة بالإضافة إلى فناني الخليج العربي مثل طلال مداح وعبدالله رويشد.
كتب ولحن الراحل أبوبكر سالم لكبار فناني الوطن العربي مثل الراحلة ورده الجزائرية، حيث اشتهرت أغانيه بالحكمة والموعظة بحكم نشأته في بيئة دينية محافظه وأسره مثقفه، كما حملت في كلماتها وألحانها هموم المغتربين وقد نقل أبوبكر تجربته الشخصية وترجمها إلى جمهوره من خلال أغانيه التي حملت الطابع الاخلاقي والاجتماعي والهموم التي يعاني منها المغترب، فقد اكتسب شهرته منذ سنوات الصبا كمنشد للأناشيد والموشحات الدينية بالإضافة إلى أنه كان مُولعاً بالأدب والشعر إلى جانب حبه الكبير للغناء الذي مارسه بشكل رسمي بعد الانشاد.
بدأت موهبة الراحل الشعرية منذ بلوغه السابعة عشر من عمره وحينها كتب أول أغنيه له من كلماته وهي "يا ورد محلا جمالك بين الورود" ولديه ديوان شعري سماه ديوان شاعر قبل الطرب تحتوي القصائد التي غناها والفنانين الآخرين أيضا.
قدم الفنان الراحل نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تُقام في عدن، وحقق نجاحاً باهراً ليفتح له الطريق على مصراعيه وتعرض حفلاته مسجلة ومباشرة في تلفزيون عدن، ثم الإذاعة التي بشرت بقدوم موهبة غير عادية، وكانت من أوائل أغانيه "ياورد ماحلى جمالك" من كلماته وألحانه وسجلها في إذاعة عدن عام 1956 م والتي غناها بعد ذلك الفنان السعودي الكبير طلال مداح.
خرج الفنان الراحل في أعماله الفنية عن الإطار المحلي إلى الإطار العربي حينما سافر إلى مدينة بيروت وقام بتسجيل عدد من أغانيه الجديدة، وأعاد تسجيل عدد من أغانيه التي سبق تسجيلها لإذاعة عدن وتوزيعها موسيقيًّا، وشارك في عدد من الحفلات في دول الخريج العربي، وأشهر أغانيه التي ظهرت في هذه الفترة (24 ساعة) التي نال عليها الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية لتوزيعها أكثر من مليون نسخة من هذه الأغنية.
تميز الفنان الراحل بالأداء الجميل والراقي في الغناء مما جعله يتربع على عرش الغناء أكثر من أربعة عقود من الزمن، كما تميز أيضا بذوق فني رفيع فالفنان أبوبكر سالم لديه ذوق فني، يختار ما يغنيه ويؤلف ما يناسبه ويلحن لنفسه ولغيره.
حصل الفنان أبوبكر سالم خلال مسيرته الفنية على العديد من الأوسمة والجوائز والتكريمات الفنية، منها الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية، وجائزة منظمة (اليونسكو) كثاني أحسن صوت في العالم، ووسام الثقافة، وتذكار صنعاء عاصمة الثقافة العربية، وقلده الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح ومنحه وسام الفنون من الدرجة الأولى، كما منحته جامعة حضرموت درجة الدكتوراه الفخرية.