#
#الإصلاح_نت - خاص/ عبدالسلام قائد
بعد التداخل المعقد في مختلف الملفات الساخنة التي تعصف بمنطقة المشرق العربي، لم تعد قضية الوحدة اليمنية ومطالب انفصال الجنوب تهم اليمنيين وحدهم، وإنما تهم أيضا دول الجوار والإقليم بشكل عام، بالإضافة إلى التوجهات الدولية الرافضة للانفصال في أي مكان في العالم، وهو ما ظهر جليا في مواقف الدول الكبرى من رفض لمحاولات أكراد العراق وإقليم كتالونيا في إسبانيا البدء في خطوات الانفصال بعد إجراء كل منهما استفتاءً شعبيا بخصوص حق تقرير المصير، مما أحبط تلك المحاولات، ويعود ذلك للخشية من أن تسري عدوى الانفصال إلى عدة بلدان في العالم، وما يترتب عليها من إحداث بؤر توتر تؤثر على الأمن والسلم الدوليين وإعاقة للتنمية.
وفي اليمن، فإن مطالب انفصال جنوب اليمن عن شماله، المتراكمة منذ سبعة أعوام تقريبا، وما آل إليه الوضع في البلاد من تشظٍّ وغياب للدولة المركزية وتدخل عربي وإيراني مختلف في أجندته وأهدافه، أصبحت قضية الوحدة اليمنية بمثابة شوكة الميزان التي يتحدد على ضوئها شكل اليمن في مرحلة ما بعد الانقلاب، ولا شك أن القوى الأجنبية المعادية لليمن ولدول الخليج تعمل بمختلف الوسائل من أجل انفصال جنوب اليمن ولو بشكل تدريجي، مثل اعتماد الفيدرالية من إقليمين شمالي وجنوبي، وذلك حتى يظل "اليمنان" بؤرة توتر مزمنة تؤرق الإقليم مثل "الكوريتين" في جنوب شرقي قارة آسيا.
مخاطر الانفصال
توصف اليمن بأنها الحديقة الخلفية للسعودية بشكل خاص، ولدول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، ما يعني أنه من أراد إيذاء هذه الدول فليكن ذلك عبر اليمن، والإيذاء لن يتحقق إلا في حال كانت اليمن دولة ممزقة وغير مستقرة وتعصف بها الأزمات المختلفة، كون ذلك يجعل الاختراق سهلا، وتوظيف الأزمات لإيذاء دول الجوار ممكنا، وهو ما فعله الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عندما دعم بعض القبائل اليمنية التي تقطن بالقرب من الحدود مع السعودية ليهدد من خلالها السعودية، وما فعلته إيران من دعم مادي وإعلامي لبعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، ثم تقديمها الدعم اللامحدود لجماعة الحوثيين، وكل ذلك بهدف تهديد السعودية ودول الخليج.
ونتيجة للصراع الإقليمي المعقد، واتساع ظاهرة الطائفية السياسية التي تتبناها وتدعمها إيران، فإن انفصال جنوب اليمن، إذا تحقق، سيشكل بؤرة توتر خطيرة تزيد من اشتعال أزمات الإقليم، خاصة أن إيران وحلفاءها الإقليميين سيستثمرون الانفصال لإنهاك اليمن ودول الخليج في صراع طائفي ومذهبي لا نهاية له، كون اليمن ستتحول إلى بيئة مناسبة لهذا الغرض، وذلك للأسباب التالية:
- انفصال اليمن إلى دولتين سيغير المعادلة السكانية في البلاد مما يجعلها في صالح إيران والحوثيين، ذلك لأن جماعة الحوثيين التي تعد أقلية في اليمن الموحد، ستصبح جماعة كبيرة في اليمن الشمالي بمفرده، وهو ما سيثير أطماعها للسيطرة والانفراد بالحكم بشكل دائم، والسيطرة على موارد دولة الشمال بكاملها، وتوظيفها في تهديد دول الجوار وفي تهديد دولة الجنوب والاستعداد لاجتياحها بذريعة القضاء على الانفصال واستعادة وحدة البلاد.
- ستظهر صراعات معقدة في كل من شمال اليمن وجنوبه، بعضها ستكون بين الشطرين، وبعضها بينية داخل كل شطر، ففي الشمال سيظهر الصراع بين جماعة الحوثيين وبقية الفئات، وفي الجنوب سيظهر الصراع بين عوائل سياسية أو بين القبائل، وكل ذلك من أجل السلطة والثروة، وهذا الصراع سينتج عنه ظهور جماعات جديدة ستتلقى الدعم من قوى أجنبية، وستوظفها لإيذاء دول الخليج، مما يجعل فرص الحل معقدة وكلفة القضاء على هذه الجماعات كبيرة.
- تؤكد التجارب السابقة أن اليمن لم يتحول إلى مصدر قلق وتهديد لدول الجوار إلا في زمن التشطير وفي زمن الضعف والتمزق، ففي زمن التشطير دعم نظام عدن ما يسمى "جبهة ظفار" في سلطنة عمان لنشر المد الاشتراكي، وكان يهدد باجتياح دول الخليج وإسقاط ما يسميها "الأنظمة الرجعية" هناك واستبدالها بأنظمة اشتراكية، واندلعت حرب الوديعة بين اليمن الجنوبي والسعودية، فضلا عن اندلاع حربين بين شطري اليمن قبل الوحدة، بالإضافة إلى أحداث المناطق الوسطى، وتدخل كل شطر في شؤون الشطر الآخر، وتوظيف العلاقة مع دول الجوار في الصراع بين الشطرين.
وفي زمن الضعف؛ أي في أواخر عهد نظام علي صالح، تمكنت إيران من اختراق جنوب اليمن وشماله، ففي الجنوب دعمت بعض فصائل الحراك الانفصالي ماديا وإعلاميا، وفي الشمال دعمت جماعة الحوثيين ماديا وإعلاميا ولوجستيا، وما زالت تهرب لها السلاح، ودفعتها إلى استفزاز السعودية وتهديدها، بدءا من المناورة العسكرية بالقرب من الحدود السعودية مع اليمن، وانتهاء بالانقلاب والتصريح بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في يد طهران، وأن الإمبراطورية الفارسية عادت وأن عاصمتها بغداد، وغير ذلك من التصريحات الاستفزازية والاستعلائية، وما زالت تواصل تهريب السلاح لجماعة الحوثيين، وتمدها بالخبراء العسكريين، حتى أصبحت قادرة على تهديد مختلف المدن السعودية بالصواريخ البالستية إيرانية الصنع.
أهمية الوحدة
إن المخاطر التي ستترتب على الانفصال في حال حدوثه، تقتضي من المخلصين من أبناء اليمن ومن دول الجوار العمل على ترسيخ الوحدة اليمنية والحفاظ عليها، وذلك لتحصين البلاد من الأزمات والصراعات الداخلية التي ستنشب في حال تحقق الانفصال، وتأثيراتها السلبية على الأمن القومي لدول مجلس التعاون الخليجي.
ولهذا، فالوحدة اليمنية مهمة جدا لأمن واستقرار البلاد ومنطقة الخليج، والحد من المخاطر التي ستهدد أهم طرق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، ولن يكون هناك ثغرات للاختراق الأجنبي للبلاد، وستتحول اليمن إلى دولة حليفة للسعودية وغيرها من دول الخليج في صراعها مع إيران، كما أن الوحدة اليمنية هي الطريقة الوحيدة الكفيلة بجعل جماعة الحوثيين أقلية في اليمن الكبير والموحد، كون ذلك سيصعب عليها مهمة ابتلاعه، وسيتقلص بالتالي دور الطائفية السياسية والنفوذ الإيراني في اليمن، وهو ما سينعكس إيجابا على الأمن القومي لدول الخليج، وسيخفف عليها أعباء الصراع مع الطائفية السياسية في كل من العراق وسوريا ولبنان.
ولعل الحل الوحيد لأزمات اليمن الحالية، خاصة مطالب انفصال الجنوب، يتمثل في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وعلى رأسها نظام الأقاليم الفيدرالية، كونه النظام الأنسب لبيئة سياسية معقدة مثل اليمن، حتى وإن كان سيهمش دور الأحزاب لصالح عوائل سياسية ستظهر في بعض الأقاليم.
وتكمن خطورة تقسيم الأقاليم في أنها تمت وفقا للتجانس الاجتماعي وليس التكامل الاقتصادي، كما يفترض أن تكون هناك أقاليم تجمع محافظات جنوبية وأخرى شمالية، وذلك لتحصين الوحدة الوطنية من الانفصال والتمزق والشتات، وبالتالي تحويل اليمن إلى بؤرة توتر مزمنة، تهدد وجودها ودول الجوار وطرق التجارة الدولية.
#عبده_العنسي