أقر الأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله، مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بوجود تطورات بشأن علاقة الإمارات والسعودية وأن منافسة قد بدأت بينهما للتو.
وفي تصريحات خاصة لشبكة “CNBC” الأمريكية، قال عبدالخالق عبدالله إن ما يحدث هنا (بين السعودية والإمارات) هو أن هذين أكبر اقتصادين في المنطقة، والعالم العربي.
وتابع موضحا: “وبما أن السعودية تريد إصلاح اقتصادها، والتحرك نحو الخصخصة، وما إلى ذلك، فلا بد أن تكون هناك منافسة بينهما” (أي مع الإمارات).
مستشار محمد بن زايد عبدالخالق عبدالله قال أيضا إنه يعتقد أن المنافسة بين أكبر اقتصادين عربيين بدأت للتو، مضيفا “ومن المحتم أن تشتد المنافسة في الأيام القادمة”.
والتنافس بين الإمارات والسعودية ـ بحسب الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله ـ سوف يتكثف في الأشهر والسنوات المقبلة، والمنافسة بين الخليفين الخليجيين “لا تزال في الخمس دقائق الأولى” وفق قوله.
وتابع: “لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور وقد يكون للمنافسة بعض التأثير على القضايا السياسية التي تربط البلدين معًا، وبعض التداعيات السياسية.
هذا وتوصلت السعودية والإمارات إلى حل لأزمة إنتاج النفط في منتصف يوليو، وأشاد وزيرا الطاقة السعودي والإماراتي ببعضهما البعض.
لكن وفقا لـ”CNBC”، فإنه من غير المقرر أن تنتهي الخلافات والأزمات بين الإمارات والسعودية في وقت قريب.
لا سيما في ظل المنافسة الاقتصادية بين الجانبية، وتحديدا في الوقت الذي تكون فيها عائدات الدولة المنتجة للنفط متقلبة للغاية.
وتعليقا على هذا نقلت الشبكة عن المحلل “توبياس بورك” من معهد الخدمات الملكية المتحدة (مقره لندن) قوله: “لقد خرجنا من هذا الوباء حيث تحتاج كل دولة في العالم إلى إيجاد طريقة للتعافي اقتصاديًا”.
وأضاف “بورك”، المتخصص في الشؤون الخليجية، أنه “بالنسبة للأنظمة الملكية الخليجية، وخاصة السعودية والإمارات، فإن إيجاد طريقة للتعافي يفاقم من حقيقة أنها تتعرض أيضًا لضغوط لاكتشاف طريقة لتحويل اقتصاداتها والابتعاد عن الاعتماد على النفط”.
وتابع “بورك”: “في تلك البيئة، وعندما يتعلق الأمر بالمسائل الاقتصادية، فإن الصداقة والاصطفاف البراجماتي المستمر سوف ينتهيان في مرحلة ما، ويهتم كل طرف في المقابل الأول بمصلحته الشخصية حتى كانت على حساب الآخر”.
واختتم : من الواضح أن هناك العديد من المجالات التي يسيرون فيها في مسار تصادمي في المجال الاقتصادي.”
ويشار إلى أن الخلاف النفطي بين السعودية والإمارات، ألقى مؤخرا الضوء على المسارين المتباينين للحليفين التقليديين الوثيقين في العديد من الملفات مع احتدام التنافس الاقتصادي بينهما. فهل تصل العلاقات بين الرياض وأبو ظبي إلى القطيعة الكاملة؟
وفي اجتماع ماضي بشهر يوليو عارضت الإمارات بشدة اقتراحا من تحالف “أوبك بلاس”، واصفة إيّاه بأنّه “غير عادل”، ما تسبّب في تأجيل الاتفاق، الأمر الذي قد يؤدي إلى عرقلة عملية موازنة الأسعار في سوق النفط الخام خلال أزمة وباء كوفيد 19.
وشكّل الموقف الإماراتي تحديا نادرا للسعودية في سوق النفط من حليف وثيق. والمملكة أكبر مصدّر للخام في العالم وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي.
لكن التباين بين “الحليفين” بدأ قبل الخلاف النفطي، وبينما يقول مراقبون إن القطيعة الكاملة أمر مستبعد بين الدولتين، فإن الروح التنافسية الجديدة ستزداد حدّة على وقع التغيير الكبير الذي تشهده السعودية.
ويقود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حملة غير مسبوقة لتنويع الاقتصاد المرتهن للنفط، مستفيدا من خبرة الإمارات الناجحة في هذا المجال. ولطالما اعتُبر الأمير الشاب مقرّبا من ولي عهد أبو ظبي النافذ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، علما أنّهما لم يظهرا سوية منذ فترة.
ويرى خبراء أن التنافس الاقتصادي في طليعة أسباب التباين بين الدولتين، في وقت تحاول دول الخليج الاستفادة قدر المستطاع من احتياطاتها النفطية الهائلة بينما تواجه بداية نهاية عصر النفط. والسعودية في حاجة ماسة إلى تمويل ضخم لبرنامجها الاقتصادي قبل اكتمال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ويقول الخبير السعودي المقرّب من دائرة الحكم علي الشهابي إن المملكة “عانت 50 عاما من الخمول في ما يتعلّق بالسياسة الاقتصادية، وعليها الآن أن تلحق بالركب”. ويضيف أن الإماراتيين “سيتفهمون بأنّه يتعين عليهم توفير بعض المساحة لذلك”.
وترى المسؤولة السابقة في البيت الأبيض كريستين فونتينروز، وهي حاليا المسؤولة عن الملف السعودي في معهد “المجلس الأطلسي”، إن الجارين قررا أنّه “علينا إعطاء الأولوية لمستقبلنا المالي على حساب صداقتنا”. وتتابع “لا ضغينة هنا، مجرد حقائق اقتصادية”.
ولطالما كانت السعودية عملاقا اقتصاديا نائما، لكنها باتت تنافس دبي، المركز الرئيسي للأعمال والخدمات في المنطقة، من خلال تطوير قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا.
وفي ظل محدودية الحوافز لديها، لجأت المملكة إلى العصا. ففي شباط/فبراير، أصدرت إنذارا للشركات الأجنبية بأن تلك التي تسعى للحصول على عقود حكومية سيتعيّن عليها أن تنقل مقرها الإقليمي الرئيسي إلى المملكة بحلول عام 2024.
ويقول مستشار مقرّب من دوائر الحكم الإماراتية طالبا عدم الكشف عن هويته “كانت هناك بعض الضربات تحت الحزام من جارتنا، لكن الأمور ستبقى تحت السيطرة إن شاء الله”، مضيفا “نحن نرحب بالمنافسة”.
وبدأ التباين الأول في العلاقة واضحا في منتصف 2019 عندما خرجت الإمارات على عجل من النزاع الكارثي في اليمن، بعدما لعبت مع السعودية الدور الأبرز في التحالف العسكري التي تقوده المملكة في هذا البلد ضد الحوثيين المدعومين من إيران منذ 2015.
ووجدت الرياض نفسها غارقة في “مستنقع” لا تزال تكافح للخروج منه بأقل الأضرار.
ويقول الشهابي “هل كان هناك بعض الحساسية السعودية عندما خرج الإماراتيون بسرعة من اليمن؟ نعم”، مضيفا “كان يأمل السعوديون بأن يكون الإماراتيون أقل عجلة وأكثر تنسيقا”.
في موازاة ذلك، أبرزت التحركات الدبلوماسية الإقليمية الكبرى اختلافا آخر في وجهات النظر. فقد طبّعت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل في 2020 في اتفاق توسّطت فيه الولايات المتحدة، وتوسّع في وقت لاحق ليشمل البحرين والمغرب والسودان. ولم تحذُ الرياض حذوها رغم تشجيع واشنطن.
في خضم ذلك، بدأت السعودية تقاربا مع قطر التي تعرضت لمقاطعة لأكثر من ثلاث سنوات من جيرانها الذين اتهموها بدعم مجموعات إسلامية متطرفة والقرب من إيران منافسة السعودية الإقليمية.
وامتثلت الإمارات التي لا تتسامح أبدا مع الإسلام السياسي، لخطوات التقارب والمصالحة مع قطر، ولكن بدرجة أقل من الحماس. ويقول المستشار الإماراتي “هناك تحالفات جديدة تنشأ في المنطقة، وهناك معسكران”.
وكان يتم عادة التعامل مع المصالح المتباينة بحذر شديد، لكن الخلافات هذه المرة بدأت تخرج إلى العلن.
لكن محللين يؤكدون أن الجارين بعيدان جدا عن انقسام على غرار ما حصل مع قطر.
وتقول فونتينروز “الحديث عن صدع أمر مبالغ فيه فكلاهما يحاول تأمين مستقبله الاقتصادي”.