الرئيسية - أخبار محلية - هكذا حولت السعودية والإمارات المجلس الرئاسي إلى أداة لتفتيت اليمن

هكذا حولت السعودية والإمارات المجلس الرئاسي إلى أداة لتفتيت اليمن

الساعة 05:59 مساءً (هنا عدن ـ موقع قناة بلقيس)


انقضت أكثر من سبعة أشهر منذ الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني في 7 أبريل الماضي، وهي مدة كافية لإعادة تقييم أداء المجلس، ومحاولة فهم الأسباب الحقيقية لتشكيله من قِبَل التحالف السعودي الإماراتي، لا سيما أن حالة العجز التي بدا عليها غير مبررة ولا منطقية، إذ أصبح هناك "فراغ قاتل" في السلطة، فلا المجلس عاد للعمل من داخل البلاد، ولا مؤسسات الدولة التي أصيبت بالشلل أُعيد تفعيلها لتمارس مهامها، ولم يستطيع أعضاء المجلس الاجتماع بشكل دوري سواء داخل البلاد أو خارجها.

كما أن المجلس لم يتمكن من تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، ولم يتحقق أي تحسن على الصعيد الأمني أو بخصوص الحرب على مليشيا الحوثيين، رغم تهديداتها المستمرة بتقويض عمل المجلس وتهديد المنشآت النفطية، وأيضا رفضها تمديد الهدنة، والتصعيد العسكري في معظم الجبهات، وقصف منازل المدنيين في بعض المناطق السكنية المتاخمة لخطوط التماس.



 

- خيبة أمل اليمنيين

 عندما تم الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل الماضي، تباينت ردود الأفعال بين من يرون أن ذلك المجلس مجرد "فخ" نصبه التحالف السعودي الإماراتي لليمنيين لتعميق الانقسامات وتجذيرها ونقلها من القاع إلى القمة، وآخرون كانوا يرون أن تشكيل المجلس سيؤدي إلى توحيد مختلف التشكيلات العسكرية ودمجها تحت قيادة وزارة الدفاع، وسيمكنها ذلك من هزيمة مليشيا الحوثيين ودخول العاصمة صنعاء واستعادة الدولة.

 بيد أنه بعد مرور أكثر من سبعة أشهر منذ تشكيل المجلس الرئاسي، ازدادت الأوضاع الميدانية تعقيدا، وخابت آمال المعولين على المجلس بتحقيق إنجاز عسكري يُذكر ضد مليشيا الحوثيين إذا لم تنخرط بجدية في مسار السلام والحل السياسي للأزمة، بل فإن من كانوا يعولون على المجلس في تحقيق إنجاز اقتصادي ملموس خابت آمالهم. وفي المجمل كان أداء المجلس صادما للغاية، وتهيمن عليه الانقسامات والتباينات، وأصبح مجرد عقد اجتماع يضم جميع أعضائه أمرا مستحيلا، وحالة العجز والشلل التي بدا عليها لم تكن متوقعة حتى لدى المتشائمين منه لحظة الإعلان عن تشكيله.

 لكن لا يجب الحكم على ضعف وشلل المجلس الرئاسي بمعزل عن دور التحالف السعودي الإماراتي، وإنما يجب الاتخاذ من دور التحالف مدخلا رئيسيا لقراءة وتفسير ذلك العجز والفشل الذي يبدو عليه المجلس الرئاسي باعتباره صنيعة التحالف وبشكل مخالف لدستور البلاد، ولم يكن للشعب اليمني أي دور في ذلك التغيير المفاجئ والصادم الذي طال هرم السلطة، ولذلك نستطيع القول إن ما حدث ويحدث تم الإعداد له بعناية بعد عملية فرز للشخصيات التي يرى التحالف السعودي الإماراتي أن تكون ضمن تشكيلة المجلس، وتأكد له ضعفها وعجزها، أو على الأقل التزامها الصمت وعدم الاعتراض على دور التحالف في اليمن، وجهلها حقيقة ما يجري.

 

- "الرئاسي" كأداة لتفتيت اليمن

 في عالم السياسة، من المعلوم أنه عندما يكون بلد ما في حالة من الانقسام والتشظي والحرب الأهلية، فإن أول خطوة لتوحيده ولملمة شتاته تتمثل في اختيار رئيس يحظى بالقبول الشعبي لدى كل الأطراف المتصارعة، أي أنه يكون محل إجماع وطني، ومن المعلوم أيضا أنه عندما يُراد تمزيق بلد ما وتفتيته، تكون أول خطوة في ذلك الإطاحة برئيسه وحكومته، وتوزيع السلطة بين أطراف متنافرة ومتصارعة.

وإذا لم تكن توجد أطراف متصارعة ومتنافرة فإنه يتم صناعتها من العدم من خلال تأجيج الانقسامات المناطقية والجهوية والطائفية والسياسية والقبلية، وصناعة مليشيات وأمراء حرب وإغراق البلاد بالسلاح، وهندسة التوازنات التي تضمن استمرار الصراعات إلى أجل غير مسمى، وهذا هو ما يبدو عليه حال اليمن منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" وحتى اليوم، وكان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي مجرد خطوة ضمن خطوات كثيرة مرحلية تأتي في سياق عملية هندسة تفتيت اليمن.

إذن لم تعد تخفى على كل ذي بصيرة الأجندة التخريبية للسعودية والإمارات في اليمن، فهذا أمر مفروغ منه، ولم يعد مجرد توقعات أو تكهنات قد تخطئ وقد تصيب، وبالتالي فإن أي إجراءات تتخذها السعودية والإمارات في اليمن ستكون في إطار ما يخدم مشروعهما التدميري في البلاد، ومن المستحيل أن تتخذ الدولتان أي تدابير تتعارض مع مشروعهما وتقوضه.

وكالعادة، فإن أي مؤامرات أو تدابير لتفتيت بلد ما وتفكيك سلطته تتم تحت عناوين وشعارات براقة، ذلك أنه لا يمكن أن يتعرض أي بلد لمؤامرة أجنبية ويقول له المتآمرون عليه: "نحن هنا جئنا لتدمير بلدكم وتفتيته وتقطيع أوصاله"، وإنما يتم ذلك تحت شعارات رنانة مثل: وحدة الصف، واستعادة الدولة، والسيادة، وتحقيق الأمن والاستقرار، والشراكة في السلطة، وتحقيق التنمية والانتقال السياسي، وغير ذلك من الشعارات.

كما أن عمليات تمزيق البلدان وتفكيكها ليست وليدة لحظاتها أو وليدة أزمات طارئة معينة، وإنما هي حصيلة خطط ودراسات يجريها مختصون من الأكاديميين وخبراء في إدارة الصراعات والأزمات وتفكيك الدول والجيوش وبسرية تامة، ويتم تنفيذ توصياتهم على مراحل زمنية متفاوتة في مدتها، وتوضع خيارات بديلة لكل خطة من المتوقع فشلها، كما توضع خطط بديلة لكل السيناريوهات المتوقعة، بما في ذلك السيناريوهات الأكثر استحالة. مثلا: الإبقاء على مليشيا الحوثيين كمبرر للتدخل العسكري في اليمن وهندسة تفكيكه، لكن ماذا لو أن مليشيا الحوثيين اختفت فجأة من المشهد بسبب ثورة شعبية ضدها داخل مناطق سيطرتها؟ في هذه الحالة هناك خطط جاهزة للتعامل مع أي مفاجآت قد تنسف كل ما سبق تحقيقه.

وهناك أشياء مرعبة لمن يريدون تفكيك بلد ما، مثل: الدولة، والدستور، والنظام السياسي، والأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والدولة العميقة، والبنى الاجتماعية القائمة على أسس عقلانية، لذلك يبدأ الهدم لكل ما سبق ذكره كونه يشكل عوامل إجماع بين أغلبية التيارات والمكونات الشعبية، ويتم بالتوازي مع ذلك تأجيج مختلف الانقسامات العمودية في المجتمع، أي خطوط الانقسام العميقة والمتمايزة مثل المناطقية والجهوية والقبلية والطائفية، ويقابل ذلك تهميش وإضعاف خطوط الانقسام الأفقية، مثل الأحزاب السياسية والمنظمات والاتحادات الجماهيرية والأيديولوجيات بمختلف مسمياتها، لأن الانقسامات الأفقية تشوش الانقسامات العمودية وتستوعب تناقضاتها وبالتالي تقلل من حدة الصراعات العنيفة فيما بينها.

فمثلا الأحزاب السياسية تكون -كالعادة- عابرة للانقسامات المناطقية والقبلية والجهوية والطائفية، وعندما تكون الأحزاب هي المُعبِّر الرئيسي عن المجتمع بمختلف تنوعاته، فإن الانقسامات المناطقية والقبلية والجهوية والطائفية تتلاشى وتذوب داخل الأحزاب السياسية، وتنخفض بالتالي مسببات الصراعات المناطقية أو الطائفية وما شابهها، لكن عندما تُزاح الأحزاب السياسية من المشهد، فإن الانقسامات العمودية تبزغ بقوة في زمن الصراعات، ويعود الناس إلى عصبياتهم وهوياتهم الفرعية أو الأولية، باعتبارها الملاذ الأخير الذي يتخذونه كمظلة للدفاع عن وجودهم والتعبير عن مطالبهم ووسيلة للحشد والمواجهة ضد الآخر المتمترس وراء عصبيته.

 وهكذا يتضح أن خطط تفتيت اليمن من قِبَل التحالف السعودي الإماراتي تتم بدقة متناهية، وبأيدي يمنيين، لكن هل يدرك جميع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي أنهم فقط مجرد محطة مرحلية للتحالف لتفتيت اليمن؟ لا شك أن الإجابة تختلف باختلاف وجهة نظر كل عضو من أعضاء المجلس، فهناك من يرى عضويته في المجلس تضمن تحقيق أهدافه ومستقبله السياسي، وهناك من يرى المجلس فرصة لتحقيق مشروع سياسي خاص، كالانفصال مثلا، والشيء الوحيد الذي يجهله جميع أعضاء المجلس هو أنهم مجرد "ورقة مرحلية" سيتم إحراقها بعد الاستغناء عنها، كما حدث من قبل للرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان ضعيفا وفاشلا لدرجة تحرج حتى المستفيدين من ضعفه وفشله.

 

- مأسسة تفتيت البلاد

وأما التغييرات الدائمة في هرم السلطة، فهي تأتي ضمن سياق عملية مأسسة تفتيت البلاد، وهندسة التوازنات المتنافرة، وإثراء المشهد السياسي بأخبار وتحولات مربكة، لقطع الطريق أمام أي صحوة شعبية أو نخبوية تعيد الأوضاع إلى مسارها الصحيح، حيث يُلاحظ أنه كلما ازداد التململ الشعبي من طول أمد الحرب وتفاقم الأزمة المعيشية، ويوشك ذلك التململ على التعبير عن نفسه بأي طريقة، سرعان ما يتعمد التحالف السعودي الإماراتي إرباك المشهد من خلال تصعيد ميداني أو افتعال أزمات سياسية أو إجراء تغيير في هرم السلطة أو في الحكومة.

والكرة الآن في ملعب مجلس القيادة الرئاسي، فبالرغم من أنه بلا مشروعية قانونية باعتبار أن طريقة تشكيله كانت مخالفة لدستور البلاد، لكنه يستطيع أن يمنح نفسه ما يمكن تسميته بـ"شرعية الإنجاز"، أي أن ينطلق للعمل بجدية كسلطة حاكمة تمارس مهامها الدستورية في القضاء على الانقلاب الحوثي، وحماية سيادة البلاد، والقيام بواجباتها في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، والتخفيف من عبء الأزمة الاقتصادية، والتعامل مع التحالف السعودي الإماراتي بندية.

وهذا الأمر يتطلب صحوة من جميع أعضاء المجلس، وما عدا ذلك، سيأتي يوم ويطوي التحالف صفحة المجلس الرئاسي، محملا أعضاءه مسؤولية الفشل، بعد الإعداد لعملية تغيير تخديرية يوهم الشعب بأنها لمصلحته، والهدف الرئيسي هو امتصاص الغضب الشعبي، وتوزيع النكسات والهزائم والخيبات والتنازلات على جميع النخبة السياسية التي تتصدر المشهد حاليا، وتجديد دورة حياة السلطات الفاشلة، حتى تصل عملية هندسة تفتيت البلاد إلى نهايتها.

 

المصدر: قناة بلقيس