جراح نرويجي متخصص في الجراحة العامة وجراحة القلب والصدر، وناشط سياسي وموسيقي ورسام من مواليد عام 1950، قاده شغفه بالعمل الإنساني ليصبح طبيبا، وهو ذاته من جعله من مناصري القضية الفلسطينية بعد العمل في مستشفيات قطاع غزة ما يزيد على 15 عاما، وصار في فترة ما الصوت الغربي الوحيد داخل القطاع لنقل ممارسات الاحتلال للصحافة العالمية.
ولد إيريك تورجير فوس في 2 ديسمبر/كانون الأول 1950 في سكيليبيك غربي العاصمة النرويجية أوسلو، ونشأ في عائلة بسيطة، إذ لم يحظ والداه بتعليم جيد، ولكنهما دعما إيريك وأخته حتى أصبحا طبيبين رغم الظروف الصعبة.
لم يكن لدى فوس طموح لأن يصبح طبيبا حتى مرحلة الثانوية، ولكن شغفه بالعمل الإنساني دفعه إلى ذلك، فبدأ دراسة الطب في مدريد، حتى أغلقت الجامعة التي كان يدرس فيها بسبب الانتفاضة الطلابية عام 1972 في عهد الدكتاتور الإسباني فرانشيسكو فرانكو (1892-1975)، فأكمل دراسته في أوسلو.
وبعد إتمامه مرحلة التعليم الجامعي كان عليه أن يقضي مدة مناوبة في المقاطعات الشمالية من النرويج، فأمضى 7 أشهر في منطقة تورسكين، في مهمة يقول عنها "مثلت واحدة من أفضل فترات حياتي، جلست في قارب الطب، وتفلسفت مع البحارة المحليين، واستمتعت بالطبيعة الساحرة، وألفت مناظر الجبال المغطاة بالثلوج".
وفي عام 1987 حصل على درجة الدكتوراه في "التغيرات المناعية في الصدمات"
لم يمانع الفتى إيريك في البقاء لفترة أطول في برودة الشمال بعد انتهاء فترة تدريبه في مقاطعة تورسكين بالنرويج، ولكن كان عليه أن يذهب إلى الخدمة العسكرية عام 1978، وكانت حدثا فاصلا في حياته، إذ انفتح على العالم بإرساله في الكتيبة النرويجية إلى لبنان ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة "اليونيفيل"، التي وصلت إلى المنطقة بتاريخ 23 مارس/آذار 1978، وكانت النرويج إحدى الدول المساهمة بتلك القوات في ذلك الوقت مع السويد والنيبال وغانا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا وأيرلندا وفيجي.
ويصف فوس هذه التجربة بأنها كانت خروجا من نمط حياة ناعم ومميز وهادئ يشبه السباحة في بركة بط إلى حياة المغامرة واصطياد لحظات الدهشة والإثارة، لكنها انتهت عنده بالتزام إنساني تجاوز حتى توجهه اليساري، إذ إن الحدث تجاوز الانتماء الأيديولوجي، حيث عرف القضية الفلسطينية بتفصيل أكثر بعدما ألمّ بشيء عنها من الطلاب العرب أثناء دراسته في مدريد.
أنهى فوس خدمته العسكرية، ولم تنته علاقته بمنطقة الشرق الأوسط، فقد تعلّق بها مع أول اتصال له معها ومع تفتح وعيه السياسي عليها، ولهذا فقد أبدى استعداده للمساعدة في أعمال اللجنة الفلسطينية النرويجية، وقضى 3 أشهر في قرية الكفير التابعة لمحافظة النبطية بجنوب لبنان قال إنها غيرت مجرى حياته.
عاد فوس إلى بلاده حاملا معه الشعور بأزمة اللاجئين وحاجتهم إلى الدعم الإنساني والإغاثة الطبية، وانخرط في عمله جراحا بمستشفيات لوفينبيرغ، ونشط في مسار تطور مهني ليصبح باحثا ومحاضرا جامعيا في مستشفى أوليفال، ولكنه لم ينس تجربته في جنوب لبنان، فقد أمضى وقتا طويلا، وبذل جهدا كبيرا في دعم أعمال الإغاثة باللجنة النرويجية الفلسطينية.
وفي 6 يونيو/حزيران 1982 اجتاحت إسرائيل الأراضي اللبنانية، وتحول لبنان إلى ساحة حرب بين القوات الإسرائيلية والفصائل اللبنانية، مما أثر في أعمال اللجنة الفلسطينية النرويجية فتوقف نشاطها، وعندئذ أنشأ فوس وبعض زملائه لجنة المساعدات النرويجية "إن أو آر دبليو إيه سي"، التي أسست من أول أمرها تعبيرا عن حركة التضامن النرويجية مع القضية الفلسطينية، ولكنها توسعت لتقدم المساعدات في مناطق أخرى من أفغانستان إلى البلقان.
لم يكن العمل الإغاثي سهلا أثناء حرب لبنان، فقد تعرضت اللجان الطبية للكثير من المخاطر من أجل الوصول إلى الضحايا المحتاجين لمساعدتها، كما دخل فوس نفسه في مغامرات خطرة في طريقه لأداء واجبه الإنساني، ففي عام 1983 شارك الطبيب النرويجي وهو في الـ32 من عمره ضمن فريق لجنة فلسطين في تهريب وحدة جراحية إلى لبنان على متن سفينة سياحية من قبرص.
ومع تكرر الأحداث والمخاطر كثرت في حياة فوس الأهوال والمغامرات، حتى أصبحت نمطا في حياته، بل أصبح يصفها بأنها نوع من الخدمة الطبية التي يقدمها ويلقي المحاضرات فيها، ويقول "إنه أمر مميز للغاية أن تكون في وسط منطقة حرب، إن ضجيج الصواريخ والقذائف جهنمي، وعلينا أن نصرخ حتى يُسمع صوتنا، والجص يسقط من الجدران والأسقف تهتز، ونحن نجري عمليات في قبو حين تكون الطوابق العليا من المبنى مصابة".
رغم توسع النشاط الإغاثي لإيرك فوس وجمعية لجنة المساعدات النرويجية في عدة مناطق عبر العالم، فإن قطاع غزة حاز قدرا كبيرا من اهتمامه، ويقول فوس إن اهتمامه بالقضية الفلسطينية بدأ عندما كان طالبا في مدريد، والتقى العديد من زملائه الطلاب العرب، وتنامى على نحو ما أسلفنا مع قدومه إلى جنوب لبنان مع الكتيبة النرويجية ضمن قوات اليونيفيل لحفظ السلام عام 1978.
وعلى مدى 15 عاما منذ 2008 لم يتردد الطبيب النرويجي عن القدوم إلى القطاع كلما شنت إسرائيل عدوانا عليه، ففي 30 ديسمبر/كانون الأول 2008، ومع مرور يومين لبدء هجوم إسرائيل على قطاع غزة الذي أطلقت عليه اسم "عملية الرصاص المصبوب" هرع فوس مع زميله مادس غيلبرت لتقديم المساعدة.
وفي طريقه أسرع إلى شراء الأدوية من القاهرة لإدخالها إلى غزة، ثم عبر إلى القطاع بمساعدة السفارة النرويجية في مصر، عن طريق معبر رفح، لأن السلطات المصرية لم تسمح لأي من الفرق الطبية بالعبور، وذلك بعدما انسحبت كل المؤسسات الإنسانية الغربية قبل بدء الحرب بيومين.
وصل الطبيبان الليل بالنهار في عمل لا ينقطع لإنقاذ الضحايا الذين كانوا من كل الأعمار وكثر فيهم النساء والأطفال، وكانت الأعداد كبيرة لا يمكن استيعابها، حتى إن فوس وحده أجرى 270 عملية جراحية في 14 يوما بمعدل 20 عملية في اليوم الواحد.
كما قدم إيريك فوس المساعدة لإنقاذ آلاف الفلسطينيين من الموت مع كل عدوان إسرائيلي في الأعوام 2012 و2014 و2023. ولم يقتصر دوره على الإغاثة الطبية في الحروب، بل نشط في وسائل الإعلام الغربية لفضح ممارسات إسرائيل في قطاع غزة، واستخدامها الأسلحة المحرمة دوليا في قصفها، وتعمدها استهداف الأطفال والنساء. وقد ألف مع زميله مادس غيلبرت كتاب "عيون في غزة" ليوثق شهادته على ما رآه بين عامي 2008 و2009.
وفي عام 2009 كان إيريك فوس مع زميله غيلبرت المصدر الإعلامي الغربي الوحيد من داخل غزة والشاهد الوحيد على ممارسات إسرائيل، بعدما منع الاحتلال دخول الصحافة المحلية والأجنبية إلى القطاع. فقد أرسلا تقارير أثرت في وجدان النرويجيين، كما نشرا في كبرى الصحف النرويجية صورا عن حال المستشفيات والمصابين، وخاصة الأطفال والنساء.
ووجها نداءات للحكومة والشعب في النرويج كي يفعلوا شيئا لوقف المذابح، وكانت لرسائلهما تأثيرات كبيرة على كل الأصعدة في النرويج، فشهدت البلاد نشاطا يوميا للتضامن مع الشعب الفلسطيني أثناء الحرب وبعدها، بدعوات من حزب اليسار الاشتراكي والمنظمة النرويجية الموحدة من أجل فلسطين ولجنة فلسطين النرويجية.
وعندما عادا إلى النرويج لقيا استقبالا حافلا بحضور الصحافة المحلية والعالمية والعربية، ولكن الفعاليات المناصرة لإسرائيل ظلّت تهاجمهما، وحاولت السفارة الإسرائيلية في أوسلو وشبكة "سي إن إن" الانتقاص من مصداقيتهما عبر التذكير بماضي غيلبرت الشيوعي. والتذكير بأن البروفيسور فوس عضو في لجنة فلسطين النرويجية منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وأكدوا أنهما منحازان للفلسطينيين.
ويرى فوس أنه من غير الواقعي، ومن الخطأ أن تكون منظمات الإغاثة محايدة، وأن عمال الإغاثة قد يحتاجون أحيانا ومن أجل نجاح مهامهم إلى الوقوف إلى جانب الناشطين السياسيين في هذا الجانب والتعاون معهم.