بدأت الآلة الدبلوماسية الدولية تدور حول جنوب السودان في محاولة لإيجاد حل للصراع المتفجر منذ أكثر من أسبوع بين الرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه السابق ريك مشار . وبعد أن بدأت الأمم المتحدة بإعادة نشر قواتها في جوبا وجونقلي، طالب أمينها العام بان كي مون بوقف القتال فوراً، بينما حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري من ضياع استقلال جنوب السودان إذا تم الاستيلاء على السلطة بالقوة من طرف المعارضين .
وإثر فشل وساطة وزارية من دول شرق إفريقيا، يبدأ مبعوث أمريكي وآخر نيجيري مهمة جديدة في جوبا للتوصل إلى هدنة، في وقت تواصلت المعارك وسط تقارير عن ارتكاب جرائم بشعة وفظائع .
وأعلن مشار أن قواته باتت تسيطر على معظم أنحاء البلاد، وأكد مسؤول في الحركة الشعبية أن حقول النفط الاستراتيجية أصبحت في قبضة القوات المناوئة لسلفا كير، لكن سفير جنوب السودان في الخرطوم أكد أن النفط "بخير" ونفت الخرطوم أن تكون حشدت قواتها على الحدود .
تقارير عن جرائم وحشية والأمم المتحدة تعدل انتشارها
قوات مشار تسيطر على مناطق استراتيجية
أعلن النائب السابق لرئيس جنوب السودان رياك مشار، الذي دخل في صراع مسلح ضد الرئيس سلفا كير، أمس الأحد، أن القوات الموالية له تسيطر على معظم أنحاء البلاد بعد أن استولت على ولاية "الوحدة" المنتجة للنفط، فيما ساد الهدوء الحذر العاصمة جوبا، حيث تواصل نزوح الأهالي وترحيل الرعايا الأجانب، وسط توقعات بتواصل المعارك على جبهات عدة بموازاة المحاولات الدبلوماسية لإنهاء الصراع .
وأعلن مشار، في تصريحات أمس لهيئة الإذاعة البريطانية، "إنه يوافق على إجراء مفاوضات مع الحكومة؛ إذا أفرجت عن السياسيين الذين اعتقلوا مؤخراً" .
وذكرت تقارير متطابقة، إن القوات الموالية لمشار فرضت سيطرتها على مواقع استراتيجية في ثلاث ولايات هي الوحدة النفطية على الحدود مع السودان، وجونقلي على مشارف العاصمة جوبا، وشرق الاستوائية على الحدود مع أوغندا . وقال القيادي في الحركة الشعبية لوكا بيونق إن هيمنة مشار على جونقلي تمثل مكسباً عسكرياً كبيراً، مشيراً إلى أن قواته غنمت معدات عسكرية ضخمة كانت أرسلتها حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت قبل مدة إلى هناك من أجل القضاء على تمرد "ياو ياو" تحت قيادة الجنرال بيتر قديت الذي انحاز لجانب مشار في الصراع الراهن . وأكد بيونق أن تركيز مشار من أجل الهيمنة على مناطق النفط بولايتي أعالي النيل والوحدة، سيشل انسياب البترول، وسينعكس ذلك سلباً على الخرطوم وجوبا معاً .
وكانت حكومة جوبا قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى جونقلي لوقف تقدم المتمردين . وقال وزير خارجية جنوب السودان بارنابا ماريال بنجامين إن مشار تمكن من الهرب باستخدام زورق إلى قريته ادوك، ولم تؤكد مصادر محايدة هذا التصريح .
وتسود الفوضى جنوب السودان، الذي انفصل حديثاً عن السودان، منذ اتهام الرئيس سلفا كير ميارديت لنائبه مشار بالتورط في محاولة لقلب نظام الحكم . وقتل المئات في الاشتباكات بين الموالين لسلفا كير من قبيلة الدنكا ومؤيدي نائبه السابق ريك مشار من قبيلة النوير الذي أقيل في يوليو/ تموز وتتهمه الحكومة بمحاولة الاستيلاء على السلطة .
وأفادت مصادر إعلامية أن فظائع ارتكبت في بعض المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون للرئيس سلفا كير . وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أمس الأحد، أن المصادر نقلت عن عمال نفط دوليين فروا من العنف قولهم، إن مواطنين قتلوا داخل مجمعات للنفط في ولاية "الوحدة" بطرق وحشية، حيث قتل بعض الأشخاص داخل سيارتهم، وقد سحقت رؤوسهم بالحجارة، كما ذبح البعض الآخر .
وساد هدوء حذر جوبا أمس، بينما تواصلت عمليات الهروب إلى مناطق آمنة .
وذكر شهود عيان، أمس الأول، أن ما لا يقل عن ثلاث طائرات من سلاح الجو الأوغندي قصفت مواقع الجنرال المتمرد بيتر قاديت ياك في "بور" عاصمة ولاية جونقلي . وقال الشهود لوكالة أنباء جنوب السودان المستقلة إنه ترددت تقارير عن تمكن قوات الجنرال قاديت من إسقاط إحدى هذه الطائرات في المنطقة، لكن وزير الإعلام والبث في جنوب السودان مايكل مكوي نفى وجود أي قوات أمريكية أو إفريقية في بلاده .
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة، أمس، أنها بدأت إجلاء "موظفيها غير الأساسيين" من جوبا وسترسل تعزيزات عسكرية إلى بور وبنتيو . وأعلنت البعثة في بيان أن إعادة الانتشار هذه هي "إجراء احترازي" لتجنب استنزاف مواردها في جوبا حيث وضع نحو 20 ألف مدني أنفسهم تحت حماية الأمم المتحدة .
وتابع البيان أن الموظفين المدنيين في قاعدة بور (على بعد 200 كلم شمال جوبا) نقلوا إلى جوبا فيما ستقوم البعثة "بتعزيز وجودها العسكري" في بور وباريانغ (ألف كلم شمال جوبا) "لمواصلة تنفيذ تفويضها بحماية المدنيين في جنوب السودان" .
كما يجري الاستعداد لإجلاء الموظفين غير الرئيسيين من قاعدة الأمم المتحدة في بنتيو (على بعد ألف كلم شمال جوبا) وإرسال تعزيزات عسكرية إليها .
وصرحت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في البلاد هيلدي جونسن في البيان "لن نتخلى عن جنوب السودان" . وتابعت "إننا نقول بوضوح لكل من يهددنا أو يهاجمنا أننا لن نخضع للترهيب" .