الرئيسية - أخبار محلية - عدن في 36 ساعة.. انقطاع كلي للكهرباء والماء وأزمة غاز ورفع سعر الوقود وانهيار الريال

عدن في 36 ساعة.. انقطاع كلي للكهرباء والماء وأزمة غاز ورفع سعر الوقود وانهيار الريال

الساعة 10:27 صباحاً (هنا عدن : متابعات )

لماذا حلت كل هذه المصائب مجتمعة؟ من يدير أزمات عدن؟ ومن يتحكم بمعيشة أبنائها؟
مواطنون: لم يبق لنا في عدن إلا الهواء ولا نستبعد أن يجدوا مبررا ليحرمونا منه

> هكذا تتوالى الأزمات في عدن التي كانت تنبض بالحياة فأصبحت غارقة في الظلام والفقر والمعاناة. انقطاع تام للكهرباء، شلل في المرافق الصحية، جفاف في مصادر المياه، أزمة بالغاز المنزلي، ارتفاع جديد بسعر الوقود، انهيار مخيف ومفاجئ للريال.. تدهور تام يلتهم ما تبقى من قدرة المواطنين على العيش. 
في ليلة واحدة، وجدت عدن نفسها بلا كهرباء، بلا ماء، بلا عمل، وبلا أمل، وكأنها تواجه حكمًا بالإعدام البطيء. لكن السؤال الذي يطرحه الجميع: لماذا جاءت كل هذه الكوارث مجتمعة؟ هل هي مجرد مصادفة، أم أن هناك من يدير هذا الانهيار المتسارع؟ ومن المستفيد من سقوط المدينة في براثن الفوضى؟ والأهم، هل هذا مجرد فصل جديد من المعاناة، أم أنه بداية النهاية لما تبقى من ملامح الدولة؟
لم يكن ليل أمس عاديًا في العاصمة عدن، فقد دخلت المدينة في ظلام دامس للمرة الأولى منذ نحو قرن، بعد نفاد آخر كميات الوقود في محطة الرئيس، التي تعد المصدر الرئيسي للكهرباء، ولم يكن انقطاع الكهرباء مجرد عطل فني، بل كان إعلانًا صارخًا عن أزمة إنسانية خانقة يعيشها السكان، حيث شُلَّت الحياة تمامًا، وتعطلت المستشفيات والمرافق الصحية، وتوقفت مضخات المياه، وانطفأ آخر بصيص أمل في شوارع المدينة التي باتت تعيش على حافة الكارثة، وغدت مدينة أشباح.. مدينة بلا كهرباء.. بلا ماء.. بلا حياة
 

مع انقطاع الكهرباء، وجدت المستشفيات نفسها في مواجهة الموت، حيث لم تعد الأجهزة الطبية قادرة على العمل، ما يعرض حياة المرضى، وخاصة في أقسام العناية المركزة وحضانات الأطفال، للخطر، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد أعلنت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي عن قرب توقف خدماتها بشكل كلي، بعد نفاد الوقود الاحتياطي لتشغيل مضخات المياه والصرف الصحي، الأمر الذي يهدد السكان بالعطش وانتشار الأمراض. 




"لم نعد نملك شيئًا، لا كهرباء، لا ماء، لا عمل، حتى لقمة العيش باتت مستحيلة"، بهذه الكلمات يصف أحد سكان عدن معاناته، وهو يبحث عن وسيلة لتوفير المياه لعائلته بعد أن جفت صنابير منزله قبل الانقطاع الكلي.
 

في ظل هذه الأزمة الخانقة، يواجه سكان عدن كارثة اقتصادية أخرى، حيث انهار الريال اليمني إلى مستويات غير مسبوقة، ليصل سعر الدولار الواحد عصر أمس الأربعاء إلى 2253 ريالًا، ووصل سعر الريال السعودي 589 ريالًا يمنيًّا ما تسبب في ارتفاع جنوني للأسعار، وسط غياب أي حلول حكومية. لم يعد راتب الموظف الذي يتأخر لعدة أشهر كافيًا حتى لأسبوع واحد من الاحتياجات الأساسية، مما دفع مئات العائلات إلى حافة الفقر. 

طوابير للسيارات عند محطة غاز في كريتر

طوابير للسيارات عند محطة غاز في كريتر


يقول أحد الموظفين الحكوميين وهو أب لخمسة أطفال: "لم أعد قادرًا على شراء أبسط مقومات الحياة، الأسعار تتضاعف والمرتبات معدومة، لا أعرف كيف سنعيش الأيام القادمة". ويضيف كنا نعيش بالكاد، والآن لم يعد هناك ما نعيش عليه؛ لا كهرباء، لا ماء، لا عمل، لا شيء... مجرد انتظار مرّ للمجهول. طفلي يبكي من الألم ولا أملك حتى ثمن العلاج. هل يريدوننا أن نموت بصمت؟!"

سالم موظف حكومي ممن تقطعت بهم السبل يصرخ بمعاناته قائلًا "راتبي الذي كنت أنتظره لشهور لم يعد يساوي شيئًا، لا يكفي حتى لشراء قطمة دقيق، أذهب للعمل وكأني متسول، أبحث عن ألف أو ألفين ريال لأطعم أطفالي بالحاصل، بينما المسؤولون في قصورهم لا يعرفون طعم الجوع".. يشاركه قسوة العيش المواطن "م.أ" وهو صاحب بقالة بالقول "الكشك هذا كان مصدر رزقي الوحيد، لكنه اليوم شبه مغلق لا حركة ولا شغل مثل أول، الكهرباء مقطوعة، المواد غالية، والزبائن معدومون.. الناس لا تملك حتى ثمن الأكل، فكيف يشترون مني؟ نحن لا نعيش، نحن فقط نموت بصمت".

أما صقر وهو طالب جامعي فيتساءل محتارا"كيف أذاكر وأدرس ولا كهرباء ولا إنترنت؟ كيف أذهب للجامعة وبطني خاوية؟ أحلم بالمستقبل، لكن أي مستقبل هذا الذي ينتظرنا وسط الفقر والجوع وانعدام الأمل؟"

أم وربة بيت تكشف عن معاناتها جراء كلمات أطفالها التي تقول إنها تنزل على قلبها كطعنات السكاكين.. تشكو الأم بكلمات موجوعة قائلة "أطفالي يبكون منذ أيام لعدم قدرتي على توفير قيمة ربع كيلو صيد أو نصف حبة دجاج، لم يحتملوا أكل الرز حاف، وحتى الرز يتناقص يومًا بعد يوم وكل خوفي أنه لن يتوفر لهم بعد أيام حتى الرز الحاف.. أصبحتُ عاجزة، أقف أمامهم بلا حول ولا قوة، أحاول أن أخبئ دموعي، لكن كيف أخبئ جوعهم؟ كيف أخبرهم ألا طعام لدينا اليوم وربما لا طعام غدًا؟". 

معلمة في إحدى المدارس الابتدائية بمديرية الشيخ عثمان تقول "نقف في الفصل لنعلّم الأطفال، لكن كيف أعلّمهم وكل هموم الدنيا فوق رأسي؟ كيف أقف وأشرح لهم دروسًا عن المستقبل، بينما مستقبلي أنا ينهار أمامي؟ أصبحت أفكر في ترك التدريس والبحث عن أي عمل يوفر لي لقمة عيش كافية على الأقل".

رجل يبدو في الخمسينات من عمره يقف على استحياء في أحد أزقة مدينة كريتر، وعلى وجهه ترتسم علامات البؤس والشقاء ومن نظرات عينه تتطاير لمحات الفقر والحاجة.. يتحدث بعينه قبل أن تدرك أنت المار من أمامه أو تسأله عن حالة.. يقول "كنت موظف وكنت أعيش بكرامة، والآن أقف في الشارع أمد يدي للناس، هل هذا عدل؟ هل هذا جزائي بعد سنوات من العمل؟ اليوم أتسول لقمة، وغدًا ربما لن أجد من يعطيني حتى الفتات فالحال من بعضه".

في مشهد مؤلم، تحولت شوارع عدن إلى مأوى لعشرات المتسولين، بعضهم كانوا موظفين وأصحاب أعمال، أجبرتهم الأوضاع الاقتصادية على مد أيديهم طلبًا للقليل من الطعام. ورغم هذه المعاناة، يعيش المسؤولون في قصورهم العامرة دون اكتراث لما يمر به المواطن البسيط، في وقت يتقاذف فيه المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية المسؤولية، بينما يغرق الناس في الأزمات.

رغم أن عدن تعيش هذه الأزمة القاتلة في فصل الشتاء، إلا أن الكارثة الأكبر تلوح مع اقتراب الصيف، حيث من المنتظر أن تتحول المدينة الساحلية إلى جحيم لا يطاق. ومع غياب الكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة، قد تشهد عدن موجات وفيات غير مسبوقة، خاصة بين الأطفال وكبار السن والمرضى.

يختم أحد السكان حديثه بحسرة: "لم يبقَ لنا سوى الهواء لنعيش عليه، ولكن من يدري، ربما يجدون طريقة ليحرمونا منه أيضًا!".

في عدن، لم تعد الأزمات مجرد أخبار تُتداول، بل تحولت إلى واقع يومي يعيشه الناس، وسط صمت قاتل من الجهات المسؤولة، وكأن المدينة قد أُدرجت على قوائم النسيان.