كشف العلماء الذين أعلنوا قبل بضعة أشهر فقط أن اللب الداخلي للأرض قد عكس دورانه مؤخراً، سراً جديداً حول أعمق أسرار كوكبنا... لقد حددوا تغييرات في شكل اللب الداخلي للأرض.
والطبقة الداخلية للأرض عبارةٌ عن كرة معدنية صلبة وساخنة محاطة بنواة خارجية معدنية سائلة. ولعقود من الزمن، شك علماء الكواكب في أن اللب الداخلي الصلب يتشوه مع مرور الوقت أثناء دورانه.
والآن، وجد الباحثون أول دليل على التغيرات التي حدثت خلال العشرين عاماً الماضية في شكل اللب الداخلي. وظهرت علامات تشوه النواة في موجات من الزلازل كانت قوية بما يكفي للوصول إلى مركز الأرض، وفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.
واستخدم فريق البحث البيانات نفسها حول الزلازل التي استُخدمت في دراسة أُجريت عام 2024 لحل جدل طويل الأمد حول دوران اللب الداخلي. ووجدوا أن اللب الداخلي كان يدور بسرعة أكبر من الأرض نفسها. ولكن ابتداءً من عام 2010 تقريباً، تباطأ دوران اللب الداخلي الصلب، ثم أصبح يدور في الاتجاه المعاكس.
«بُعد آخر للمناقشة»
تعتمد الدراسة الجديدة، التي نُشرت الاثنين في مجلة «Nature Geoscience» العلمية، على هذا الاكتشاف الذي تم باستخدام بيانات الزلازل التي تم جمعها من عام 1991 إلى عام 2023. وقد ساعدهم المجهود السابق للعلماء حول دوران النواة على تفسير الاختلافات في ارتفاع الموجات الزلزالية، وتعريفها كمؤشرات للتغيرات في سطح النواة الداخلية، كما أوضح الدكتور جون فيدال، أستاذ علوم الأرض بجامعة جنوب كاليفورنيا والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة.
وحسب فيدال، فإن حواف النواة الداخلية للأرض، التي تأخذ شكل الكرة، ربما تكون في الواقع مشوهة بارتفاع 100 متر أو أكثر في بعض الأماكن. وأفاد الباحثون بأن التغيرات في الشكل في القلب يمكن أن تحمل أدلة حول «القوى العميقة» داخل الأرض التي تزود غلافنا المغناطيسي بالطاقة، وهي الخطوط غير المرئية للطاقة المغناطيسية التي تحمي كوكبنا من «الطقس الشمسي والإشعاع القاتل».
وتدور النواة الداخلية للأرض بشكل مستقل عن النواة الخارجية السائلة وعن بقية الكوكب. وبدون هذه الحركة، «ستموت الأرض»، وتصبح أشبه بكوكب المريخ القاحل الذي فقد مجاله المغناطيسي منذ مليارات السنين.
وقال الدكتور يوشي ميازاكي، الأستاذ في قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة روتجرز في نيوجيرسي: «تتطور الأرض على مقياس زمني جيولوجي، لذا فإن مراقبة التغيرات على مقياس زمني سنوي أمر مثير للاهتمام دائماً، لأنه يعزز فهمنا لديناميكيات النواة الداخلية».
وأضاف ميازاكي، الذي لم يشارك في البحث الجديد: «لقد ناقشت الدراسات السابقة بالفعل كيف تغير دوران النواة الداخلية خلال العقد الماضي، وتقدم هذه الدراسة منظوراً جديداً حول التغيرات غير الدورانية، مما يضيف بُعداً آخر للمناقشة».
«أشبه بالخيال العلمي»
من بين جميع طبقات الأرض، يعدُّ اللب الداخلي هو الأكثر بُعداً وغموضاً. ويبلغ حجم هذه الكرة الصلبة المكونة من الحديد والنيكل حوالي 70 في المائة من حجم القمر، ويبلغ نصف قطرها حوالي 759 ميلاً (1221 كيلومتراً).
وتصل درجات الحرارة في اللب الداخلي إلى 9800 درجة فهرنهايت (5400 درجة مئوية)، ويمكن أن يصل الضغط إلى أكثر من 3 ملايين مرة من متوسط الضغط الجوي للأرض. وفي حين أن المراقبة المباشرة للب مستحيلة، فإن العلماء يدرسونها من خلال تحليل التغيرات في حجم وشكل الموجات الزلزالية أثناء مرورها عبر اللب.
ويقول فيدال: «إن تصور ما يحدث على سطح النواة الداخلية للأرض يشبه الخيال العلمي. إنه مكان مختلف تماماً عن حياتنا اليومية، حيث تختلف فتراته الزمنية ومواده وقوته المذهلة»، ورغم أن موقعاً واحداً فقط في النواة الداخلية للأرض أظهر علامات تشوه بين عامي 2004 و2008، فقد يكون هناك المزيد من المواقع التي لم يتم اكتشافها بعد، وفقاً لما ذكره الباحثون. وقال فيدال: «من الصعب معرفة ما إذا كنا ننظر إلى موقع شاذ أم طبيعي، ولكن من الممكن أن يكون هناك قدر من التشوه يحدث في كثير من الأحيان في العديد من الأماكن».
وقال البروفيسور هرفوي تكالتشيك من الجامعة الوطنية الأسترالية، الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه الدراسة تُقدم «مفهوماً مثيراً للاهتمام ينبغي استكشافه بشكل أكبر». وأضاف أن ذلك قد يسمح للعلماء «بإجراء تقديرات أكثر استنارة لبعض خصائص المواد المهمة، مثل لزوجة النواة الداخلية، وهي واحدة من الأمور الأكثر غموضاً في العلوم الحديثة»، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وبمرور الوقت يتجمد اللب الخارجي السائل للأرض ليتحول إلى اللب الداخلي الصلب، ولكن الأمر سيستغرق مليارات السنين قبل أن يتحول إلى صلب تماماً. ومن المؤكد أن هذا يعني نهاية الحياة على الأرض، ولكن بحلول ذلك الوقت من المرجح أن تكون الشمس قد ابتلعت الكوكب بالفعل.