تتزاحم الأحداث على نحو يجعل من الصعب متابعتها أو ترتيب أولوياتها لكن يبقى مقياس الانشغال بها هو ما يؤثر على الناس وشؤون حياتهم ويتعلق بأمنهم واقتصادهم وحرياتهم ومستقبلهم.
لذلك لابد أن تنعكس قضايا وهموم الجمهور في كتابات الكاتب على الأقل كونه يكتب لهم وإلا وجد نفسه يغرد خارج السرب ويكتب لجمهور ليس موجوداً,أو غير مستعد أن يقرأ له لأنه ليس معنياً فيه.
(1)
طالما وأننا على بعد أيام قليلة من الاحتفال بالذكرى الثالثة للثورة السلمية في 11 فبراير/شباط الجاري,فإن من الإنصاف والعدل والأخلاق أن نذكر من ساهموا في صناعتها وقدموا أرواحهم في سبيلها فمنهم من نال الشهادة وارتقى للمجد ومنهم من لا يزال جريحاً يحتاج العلاج والرعاية والاهتمام ومنهم من لا يزال مغيباً خلف قضبان السجون بدون أي مبرر.
24 معتقلاً من شباب الثورة في السجن المركزي بمحافظتي حجة وصنعاء دخلوا في إضراب عن الطعام منذ السبت احتجاجاً على عدم الإفراج عنهم وإعادة حريتهم المسلوبة رغم التوجيهات الرسمية المختلفة وآخرها ما نصت عليه وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار التي دعت لإطلاق سراحهم.
وإلى جانب المعتقلين هناك حوالي 17 مخفياً قسراً وفق أرقام المجلس العام لمعتقلي الثورة,فهل نجد من الجهات المعنية إعادة الأمل للمعتقلين والمخفيين وتكريم الثورة بإنصاف رموزها وقادتها؟
(2)
تتفاعل قضية تعديل أسعار الغاز اليمني الذي تم بيعه بثمنٍ بخس عام 2009م لشركتي توتال(دولار واحد للمليون وحدة حرارية) وكوغاز الكورية الجنوبية(ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية) على المستويات الرسمية والشعبية.
وبعد أن تمكنت الحكومة من الاتفاق مع كوغاز لتعديل الأسعار إلى أربعة عشر دولاراً بدلاً من السعر السابق لا تزال المفاوضات قائمة مع توتال للوصول إلى نفس السعر أو مساوته بأسعار بيع النفط في السوق العالمية.
خسائر اليمن جراء هذه الصفقة كارثية ولا يعقل أن يستمر الحال كما هو خاصة والبلاد بأمس الحاجة للمال لتدبير احتياجات مواطنيها ورفد خزينة الدولة التي تواجه شحاً في الموارد جراء توقف تصدير النفط بسبب استمرار الاعتداءات على أنابيب النقل.
كي ننتصر في هذه الصفقة نحتاج إسناد ملف التفاوض لفريق احترافي متخصص مدعوم سياسياً وقانونياً وإعلامياً وشعبياً وهناك مخارج قانونية وإن لم تنص في بنود الاتفاقية,منها الإجحاف الذي لحق باليمن وشبهة الفساد التي تحدثت عنها الحكومة مؤخراً وهذه تكفي لرفع دعاوى قضائية ضد توتال في محاكم أمريكية تقبل تلك الدعاوى لمجرد وجود شبهة فساد ورشاوى على أن لا يتوقف التفاوض عند حدود تعديل الأسعار وإنما تعويض اليمن عن فوارق السنوات السابقة كحق مشروع ولن يضيع حقٌ وراءه مطالب.
(3)
استمرار فتح جبهات الحروب هنا وهناك بعد مؤتمر الحوار لا يهدد فقط تنفيذ مخرجات الحوار الذي انتظره اليمنيون عشرة أشهر وإنما الدولة التي تريد الجماعات المسلحة منازعة سلطاتها وتوسيع نفوذها.
لا يمكن تنفيذ مخرجات الحوار دون سحب الأسلحة الثقيلة من جميع الجماعات المسلحة وتسليمها للدولة التي من حقها وحدها احتكار القوة المشروعة بموجب القانون كي تستعيد هيبتها وسيطرتها على كل المناطق.
ضعف الدولة أو غيابها ليس مبرراً لأحد توسيع نفوذه واستغلال هذا الوضع لتنفيذ أجندته على مناطق يسيطر عليها بقوة السلاح وإلا تحولت البلاد إلى كنتونات يتصارع عليها أمراء السلاح والصراع على غرار الصومال.
يجب أن يساهم الجميع في بناء الدولة الحديثة التي تقوم على المؤسسات والتداول السلمي للسلطة لضمان حقوق المواطنين دون تمييز وهذا هو المخرج لطي صفحة النزاعات وسلب الحقوق وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة ليس لها نهاية.
(4)
عودة مسلسل اختطاف وقتل الأجانب سواءً كانوا دبلوماسيين أو عاملين في المجال الإغاثي والنفطي مؤشر خطير يضر بالبلاد وسمعتها الخارجية التي تأثرت سلباً جراء تدهور الأوضاع الأمنية وتفشي ظاهرة الانفلات الأمني.
اختطاف مواطن ألماني وآخر بريطاني في غضون أقل من يومين الأسبوع الجاري يهدد بإغلاق قنوات الاتصال بالعالم الخارجي خاصة إذا ما قررت بعض الدول كما حدث من قبل إغلاق سفاراتها أو دعوة رعايها لمغادرة اليمن خوفاً على حياتهم.
على الحكومة أن تولي ملف حماية البعثات الأجنبية والأجانب عموماً أولوية بشكل مستمر وأن لا تقتصر على تكثيف إجراءاتها أثناء وقوع حوادث من هذا النوع وتغفل بقية الأيام حتى لا توفر فرصة للعابثين بمستقبل البلاد جرها لمزيد من الخراب والدمار.
وأهم شيء يجب أن تدركه الحكومة أن لا تفتح باب الفديات مقابل الإفراج عن المختطفين خاصة ممن لا يزالون مخفيين في أماكن غير معلومة، لأن فتح هذا الباب يشجع ازدهار مثل هذه التجارة ويفتح شهية الخاطفين للمزيد من الأعمال الخارجة عن القانون.