ما تزال هناك قراءة خاطئة لما تقوم به المستقلات وما يقدمن من أعمال وما يتحملنه من مسئوليات وطنية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية وهن يمارسن عملهن اليومي في وظائفهن في أي موقع وظيفي يتواجد فيه،
ولذلك فإن العديد من القيادات في المؤسسات الحكومية لا يدركون حجم ونوعية التحدي الذي يواجهنه هؤلاء النساء وهن يمارسن وظائفهن في ظروف قد تكون في أحوال كثيرة بالغة التعقيد لاسيما عندما يوضعن في مواقف وممارسات تتطلب منهن أن يكن على قدر من المسؤولية إزاء قضية ما، وتتجه هؤلاء النساء لتحمل مسؤولياتهن بعيدة عن الولاءات الحزبية الضيقة وتغليب مصلحة الوطن والمواطن وعدم الاستجابة لتحيزات الحزب وإملاءاته ورفض التوجيهات والأوامر الخاطئة لسياسة الحزب وتؤدي هذه الأساليب المرفوضة إلى الإضرار بالمصالح العليا للوطن وهدم قيمه ومبادئه وحينها تغيب قيم الشفافية والوضوح والنزاهة لدى هؤلاء القادة حين يتعاملون مع هؤلاء النساء لأنهم بالأساس غير مدركين المبادئ التي تحملها النساء المستقلات وإلى الدوافع ومحركات السلوك الذي يدفعهن إلى التمسك بهذه القيم حتى وإن خسرن وظائفهن أو حرمن من فرص الترقي التي قد تكون منطلقاً لتحسين وضعهن ومركزهن الوظيفي والأسري والمعيشي، وكلما رفضت هؤلاء النساء المزيد من هذه الإملاءات كلما زادت درجة الاستبعاد والتهميش والإقصاء، والشواهد على ذلك كثيرة في العديد من المؤسسات الحكومية والأجهزة التابعة لها والنتيجة المنطقية التعرض إلى مزيد من الإقصاء الوظيفي، ولا توجد مثل هؤلاء النساء من ينصفهن ومن يقدر جهودهن وحاجتهن إلى من يقف إلى جانبهن حتى المؤسسات أو المنظمات الحقوقية التي تعنى بقضايا من هذا النوع لم تدرك خطورة مثل هذه المشكلة، دلالاتها وأبعادها المؤسسية ، الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على هؤلاء النساء على المستوى الشخصي وعلى المؤسسات التي يعملن فيها بل وعلى ضعف الأداء المؤسسي للمؤسسات التي تستمر في عملية الإقصاء المنظم والمخطط لهن والتحيزات التي تحدث ضدهن بصفة منتظمة، هذه التحيزات مبعثها عدم تطبيق قانون الخدمة المدنية وكذا عدم تطبيق اللوائح وكذلك الممارسات الوظيفية التميزية للقيادات العليا تجاهن وتكون المسألة أشد وطأة وخطورة حين تكون تلك القيادات العليا من النساء المنتميات للأحزاب اللاتي يدفع بهن أحزابهن إلى محاربة النساء المستقلات لأسباب ودواعي سياسية، وهذه العوامل تؤدي دوراً ثنائياً فمن ناحية تعمل المؤسسات التي تعمل فيها هذه الفئة من النساء على إقصائهن ومن ناحية أخرى لا يفهم القائمون على صنع القرار الوضع الذي تواجهه النساء المستقلات ولا يدركون أنهم بهذه الممارسات يخلقون فجوة المهارة في الوظيفة العامة حيث يتزايد عدد المتسربات من الكفاءات النسائية في هذه الوظيفة ويتم الإبقاء على الشخصيات الأقل كفاءة وعلى تعميق وجودها في الوظيفة العامة وتصبح علاقة ثابتة لتثبت هذه السلوكيات وتحويلها إلى نظام يتم تطبيقه وعاملاً لإرساء هذه الظاهرة عندما تختلط فيها الممارسات التيميزية مسببة لهن أضراراً تؤثر على سير أدائهن وخاصة حين لا يكون بمقدور هذه القيادات تقييم خطورة الإقصاء والتهميش على صعيد الوظيفة داخل المؤسسة ذاتها وبأنها تولد بيئة طاردة للكفاءات والقدرات وعدم اتخاذهم أية إجراءات لحمايتهن من التأثيرات الناتجة عن الإقصاء لاسيما لبعض القيادات من الرجال الذين يدركون أهمية الدور الذي تلعبه المستقلات وبحاجتهن إلى الدعم المؤسسي وقد تخلق هذه الممارسات السلبية مواقف عدائية بين القيادات وبين هؤلاء النسوة اللاتي يتعرضن كل يوم لتحديات أكبر وقد تكون التحديات مؤشراً خطيراً لبروز مظاهر العنف في مجال العمل عندما يشعر هؤلاء القادة أن ما يطرحنه ويقمن به النساء المستقلات مضادة لسياسة الحزب ولوجهة نظرهم الشخصية في التعاطي مع قضايا العمل ومتطلباته، بل والتأثير على مصالحهم في العمل.
وهكذا يصبح الانحياز في الرأي تجاه النساء المستقلات هو السائد وعدم إتباع مبدأ الحيادية والموضوعية في التعاطي مع القضايا والموضوعات التي تعمل عليها هؤلاء النساء ويترتب على ذلك عدم منحهن حقوقهن واستحقاقاتهن في الوظيفة من ترفيع ومكافآت وإدارة مشروعات أو تقييمها ويصبحن على الدوام هن الخاسرات والطرف الأخر هو المنتصر، هذه هي حسابات ضيقة لدى هؤلاء القادة علماً بأن الحسابات الأكثر أهمية هو أن النساء المستقلات هن الرابحات في الأول والأخير.
ولهذا فإن دور النساء المستقلات في الفترة القادمة سيكون جلياً وواضحاً وعليهن أن يدعمن القضايا الحقوقية والمطلبية للنساء عامة وللنساء المستقلات بخاصة حتى يتمكن من الحصول على الدعم المجتمعي وتحالف القوى الاجتماعية معهن لكي يتشكل رأي عام مساند ومستنير داعم لقضاياهن التي هي في الأساس قضايا مجتمع بأكمله.