في تاريخ يحمل الكثير من الدلالات، أعلن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أمس الاول اليمن دولة اتحادية مكونة من ستة أقاليم، أربعة منها في الشمال واثنان في الجنوب، منهياً بذلك أكثر من نصف قرن من حكم مركزي تعاقب على اليمن شمالاً وجنوباً قبل ولادة دولة اليمن الواحد في الثاني والعشرين من شهر مايو/أيار 1990 .
وكان اللافت أن يعلن هادي في العاشر من شهر فبراير/شباط، عشية الذكرى الثالثة لثورة الشباب، تحول اليمن إلى دولة اتحادية في تأكيد حدوث التحول الكبير بالانتقال من النظام المركزي إلى نظام اتحادي أكثر مرونة وقدرة على التعاطي مع التطورات العالمية وحلا للأزمات المتعاقبة التي مر بها اليمن خلال العقود الماضية.
من هنا يمكن فهم عامل التوقيت الذي اختاره هادي بعناية ليعطي إشارة لا لبس فيها إلى قطيعة كاملة مع النظام السابق، الذي كان هو جزءاً منه، فقد أظهر هادي في لقاء ضمه وعدداً من شباب الثورة انحيازه إلى التغيير الذي بشر به مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي وأسفر عن مصفوفة من القرارات صبت جميعها في مصلحة بناء يمن جديد ينتظره الجميع بعد أن تحول النظام السابق والحالي إلى أحد كوابح انطلاق البلاد إلى فضاءات أرحب .
لا يجب النظر إلى هذا الإعلان من زاوية سياسية فحسب، بل من حاجة اجتماعية أيضاً؛ فالصراعات التي خاضتها الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن، سواء في إطار شطري اليمن أو على مستوى اليمن الموحد، راكمت الكثير من السلبيات وأعاقت البلد عن التقدم نحو الأمام وبث إشارات الأمل بمستقبل أفضل .
صحيح أن النظام الفيدرالي الذي سيكون عنواناً للدولة الجديدة لن يكون تطبيقه سهلاً، بحكم التعقيدات الاجتماعية والسياسية في البلد، إلا أنه يمنح اليمنيين قدراً أكبر من التفاؤل في غد يتخلص فيه البلد الكبير من أزماته .
لا شك أن معارضي النظام الاتحادي كثيرون، والذين ينطلقون من أن الظروف التي يعيشها اليمن ليست مواتية للانتقال إلى هذا النظام في ظل ضعف البنية المؤهلة لهذا الانتقال، بخاصة وأن البلد يعيش على وقع اضطرابات وحروب مصغرة هنا وهناك، ويخشون من أن يكون ذلك مقدمة لتفكك البلاد وانهيارها، إلا أن أنصار النظام الاتحادي يرون في الشكل الجديد للدولة حلاً للأزمات التي يعانيها اليمن .
يتجلى ذلك في التقرير النهائي الذي قدمته لجنة تحديد عدد أقاليم الدولة الاتحادي الذي يؤكد أن المرتكزات التي سيقوم عليها النظام الاتحادي تتمثل في تمتع المواطنين اليمنيين بكافة الحقوق والواجبات بما يحقق المواطنة المتساوية والتنافس الإيجابي بين الأقاليم والتكامل الذي يضمن توظيف كفء لموارد كل إقليم والتكامل مع الأقاليم الأخرى، إضافة إلى التجانس لضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لتلبية احتياجات الناس في حياة كريمة، على أن يتمتع كل مستوى من مستويات الحكم في الدولة بصلاحيات تحدد في الدستور في إطار الدولة الاتحادية .
الأهم هو أن تقتنع الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد بأن الانتقال إلى النظام الجديد يعد فرصة لإعادة الحياة من جديد إلى بلد أنهكته الصراعات خلال السنوات الخمسين الماضية، وأن الوقت قد حان ليختبر اليمنيون أنفسهم في هذا التحدي الذي سيجعلهم قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم من خلال التنافس في إدارة الأقاليم التي سيتم تشكيلها وفق معايير جغرافية تنهي حالة الصراع القائم حالياً على أساس "شمال وجنوب" . وعلى الرغم من أن خيار النظام الاتحادي لا يلبي مطالب بعض القوى السياسية، بخاصة الحراك الجنوبي، الذي يطالب بالانفصال عن دولة الوحدة، إلا أن البدء بتطبيقه وجني ثماره سيعيد تشكيل قناعات الجنوبيين من أن هذا الخيار هو الأفضل لبقاء اليمن موحداً وفي نفس الوقت يلبي الكثير من المطالب التي رفعها الحراك السلمي منذ انطلاقته قبل أكثر من ست سنوات، وأبرزها عدم هيمنة المركز على مقدرات البلد وتقليص دور مراكز النفوذ والقوى التي ظلت تتحكم بخيرات البلد لعقود طويلة .
في المحصلة النهائية يبدو اليمن أمام مفترق طرق، فإما أن يبدأ باختيار المستقبل من خلال النظام الاتحادي الجديد وينعم بالأمن والاستقرار والتنمية أو يبقى في دوامة الصراعات التي ستقضي على ما تبقى من أمل بخروجه إلى بر الأمان .
___________-
*الخليج الامارتية