تقسيم الاقاليم .. تحوّل " إتحادي " كارثي !

2014/02/13 الساعة 10:50 مساءً

لم يكن التحول الى النظام الاتحادي في البلد هو الخيار الامثل ولكنه كان الخيار المتاح , فالخيار الامثل هو تحرير الدولة من  " خطف "  قوى النفوذ وبناء دولة  قادرة على  تحقيق امرين  ,  الاول هو ايجاد المعالجات المنهية  للأوضاع الخاطئة التي وجدت في البلد نتيجة تصرف قوى النفوذ تصرفات عصابية باسم الدولة , والثاني هو تأهلها  لإدارة البلد بطريقة تضمن تحقيق المصلحة العامة  كما هو مفترض بها كدولة الجميع , وكان هذا الحال كفيل بإعادة الثقة  الى مكونات المجتمع وفيما بينها  , ومن ثم انتهاء حالة عدم الاستقرار التي يعيشها البلد .

 لم يكن الحل الامثل المتمثل في بناء دولة خيارا متاحا كوّن  قوى النفوذ لا زالت  قادرة على التدخل في قرارات الدولة بشكل جوهري , ولازالت قادره على ايقاف او الحد من اي اجراءات  يترتب عليها المساس بمصالحها او تقليص نفوذها , وهو ما يعني عدم امكانية قيام دولة قادرة و ترعى مصالح الجميع   .

عدم امكانية تطبيق الحل الامثل جعل من التوجه الى  تفويض جزء كبير من السلطة المفترضة للدولة  لسلطات محلية هو الحل المتاح  , لان هذا الحل سيمنح لكل كيان محلي ( اقليم )  امكانية ادارة شئونه دون تدخل قوى النفوذ بشكل مباشر , وبالتالي منح الاقاليم فرصة مثالية لسلطة تعالج اخطاء الماضي في اطارها وتعمل على تحقيق المصلحة العامة لمجتمعها  .   

كان النموذج المتوفر امامنا لكيانات محلية مجتمعة في كيان جامع واحد هو الانظمة الاتحادية القائمة في اكثر من دولة في العالم , وبالفعل بدأ التوجه الى هذا النموذج بحيث تصبح اليمن دولة اتحادية تضم عدد من الكيانات المحلية ( الاقاليم )  , ولكن هذا التوجه اهمل نقطة جوهرية في توجهه الى  النظام الاتحادي هي ان  اليمن يتجه الى الاتحادية من " نقطة بداية خاصة "  مختلفة عن نقطة البداية لأي اتحاد اخر في العالم .

كانت الغاية هي الوصول الى نظام اتحادي لاشك , ولكننا لم نكن امام كيانات محلية جاهزة يتم العمل على جمعها في كيان اتحادي واحد كما هو حال  سائر الاتحادات القائمة في العالم  وانما كنّا امام عملية تقسيم كيان واحد الى كيانات محلية , وهذه هي " نقطة البداية الخاصة " التي تم اهمالها   . 

خطورة تقسيم البلد الى اقاليم تنطلق من نقطة تكسير الاوعية الاجتماعية والاقتصادية السائدة فيه التي قامت على مدى قرون من العيش وممارسة الانشطة وتكوين العلاقات  فيه  , و ما كان يجب  في عملية التحول الى النظام الاتحادي هو ان تتم  وفق آلية علمية  تضمن ان تكون الاثار السلبية لتكسير الاوعية الاجتماعية والاقتصادية في ادنى مستوياتها الممكنة  . 

الاقاليم التي تم الاعلان عنها رسميا هي  عمل مستعجل وغير علمي وغير منهجي , و سيتسبب في ضرب الاوعية الاجتماعية والاقتصادية بشكل عنيف وخطير وستدفع البلد والمجتمع  ثمن باهظ لذلك  , سواء من ناحية التكاليف او الزمن او الافرازات الناتجة عن  التأثيرات المتبادلة في محاولة اعادة  تنظيم تلك الاوعية .

ليست المشكلة الان في ان اقاليم ليس لها منافذ او انه لا موائمة بين المساحات وعدد السكان او ان اقاليم لا تتوفر  لها ثروات حاليا  فقط ,   وانما المشكلة ابعد من ذلك ستصل الى كل فرد وكل كيان وكل تجمّع في البلد ,   فالتقسيم الذي تم سيفرض على مكونات المجتمع  اعادة صياغة انماط حياتها الاجتماعية و الاقتصادية تبعا لأنظمة وقوانين وعلاقات وفرص  وعوائق  وتوقعات وامكانيات وقدرات مختلفة عن تلك التي شكّلت الاوعية الاجتماعية والاقتصادية  الحالية لها في ضلّها على مدى قرون   .

ما تم في البلد هو عملية  تقسيم كان  العامل السياسي هو العامل الاساسي فيها  , ولم يتم حتى استيعاب العامل السياسي بالكامل  , كما لم يستوعب العامل الاجتماعي و لا العامل الاقتصادي  في هذه العملية , وبالتالي لن يتمكن التوزيع الذي تم للأقاليم في البلد الى  ايجاد الاستقرار المنشود , بل و سيكون سببا لإفراز مشكلات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية جديدة وعلى المدين القصير والمتوسط وعلى المدى الطويل كذلك  .

ولرسم صورة تقريبية لما تم في البلد يمكن تشبيهه بالواقع العربي المتجسد امامنا منذ تقسيم الوطن العربي بعد الانعتاق من السلطة العثمانية وحتى الان , وهو واقع  لم يستقر يوما ما و يزداد سواء كلما مر الوقت , وهذا بالضبط ما سيفعله التقسيم الحالي للأقاليم باليمن , وسنكتشف عمليا ان ما فعل باليمن هو كارثة  لا يمكن وقف تداعياتها السيئة الا بالتراجع عنها ولو بعد عقود .