في ذات مساء جمعت الصدفة خمسة من مخربي الكهرباء بالقرب من أحد الأبراج،
كانوا جميعهم ينوون تنفيذ عمل تخريبي لقطع الكهرباء، وإخراج محطة مأرب
الغازية عن الخدمة .
وكل واحد منهم لا يعلم نيّة الآخر في تخريب الكهرباء، تفاجئوا جميعهم
بهذه الصدفة، وبدءوا يتجاذبون أطراف الحديث ويناقشون أوضاع اليمن
السياسية والاقتصادية، من أزمات سياسية إلى صراعات مذهبية، وبعيداً عن
مناقشة قضية الكهرباء ناقشوا أغلب قضايا اليمن الأمنية وكلٌ منهم على أمل
أن يتخلص من رفاقه الأربعة الذين جمعته بهم الصدفة ليقوم بمهمته في
الاعتداء الكهرباء .
انتهت السوالف وأنهوا نقاش قضايا اليمن ومشاكله ولم ينصرف منهم أحد !!
صمتوا برهة من الزمن بعد أن أطرقوا برءوسهم إلى الأرض !! لحظات حتى رفع
الخامس منهم رأسه وفاجأهم بسؤال محرج في صلب الموضوع !! فقال لهم بصوت
عال كم نحن أغبياء، نناقش قضايا ومشاكل اليمن التي لا نملك حلها، ولم
نناقش قضية الكهرباء التي نحن السبب في مشاكلها ؟؟.
رفعوا رءوسهم غاضبين وأحدقوا بأعينهم إليه وأجابوا: ومن قال لك أننا من
يخرّبها ؟؟ أجاب: لم يأتي بكم الى هذا المكان في هذا الوقت إلا الذي جاء
بي إليه، وما أتى بي إليه غير تخريب الكهرباء !! فلا مناص من الحقيقة !!
أرجوا أن يخبرني كل واحد منكم لماذا يقوم بتخريب الكهرباء؟! وسأخبركم أنا
كذلك ما الذي يدفعني إلى ذلك ؟؟.
أجابه الأول قائلاً : بصراحة أكثر ما يدفعني إلى تخريب الكهرباء وإخراجها
عن الخدمة هو شيء واحد فقط، وهو أن الإنسان لا يشعر بالنعمة إلا عندما
يفتقدها، وأنا أقوم بعملي هذا كي أُشعرهم بنعمة الكهرباء ليشكروا الله
عليها ومن ثم يشكرون مأرب عليها ، فلو لا الظلام لما أدركنا قيمة
المصباح، ولو لا الضما لما شعرنا بأهمية الماء، ولو لا المرض لما شعرنا
بنعمة العافية ولو لا التعب لما شعرنا بلذة النوم و...
قاطعه الثاني لجيب عن الأسباب التي تدفعه إلى تخريب الكهرباء فأجاب
قائلاً : أكثر ما يدفعني إلى الاعتداء على خطوط نقل الطاقة هو كرمي
الكبير الذي يدفعني توفير مادة إعلامية للصحافة اليمنية، فأقوم بالاعتداء
على الكهرباء وسرعان ما تنشغل القنوات والمواقع الاخبارية اليمنية بهذا
الخبر العاجل، وبهذا أوفر لها أفضل مادة إعلامية ؛ قاطعه المخرب الخامس
تعست ألم تجد غير هذا العمل التخريبي لتوفر لهم مادة إعلامية ؟؟ لو أنك
قمت بعمل مشروع خيري لوفرت لهم مادة إعلامية وكسبت الثواب والأجر من الله
بدلاً من الذنوب بقطع الكهرباء ؟ أجاب الثاني لو أني قضيت عمري كله من
أجل أن أوفر لهم كهرباء على الطاقة النووية لما وفرت لهم مادة إعلامية
غير مرة واحدة، وهي عندما نفتتح المشروع ونضيء اليمن فقط، ولن أوفر غيره
لأنها لن تنطفئ ..!! .
سأله الخامس : ولكن لماذا لا تلجأ إلى عمل تخريبي آخر أخف ضرراً من قطع
الكهرباء؟ أو على الأقل لماذا لا تنوع أعمالك التخريبية حتى توفر لهم
مواد إعلامية متنوعة ؟؟
أجاب الثاني : أنا مارست عدة أعمال تخريبية لتوفير مادة إعلامية للصحافة
ولم تحضا باهتمام كبير من قبل الصحافة والقراء وقد وجدت بأن أكثر خبر
قراءة هو هذا الخبر: ( عمل تخريبي يخرج محطة مأرب الغازية عن الخدمة )
كما أن الاعتداء على الكهرباء أكثر خبر انتشاراً في اليمن، لأن كل بيت
يمني ينطفئ ويعلم أن هناك عمل تخريبي !!.
أما بالنسبة لسؤالك لماذا لا أنوّع أعمالي التخريبية لكي تتنوع المادة
الإعلامية، فأنا لا أحب أن أشق على المحررين كل لحظة تحرير خبر، فعند كل
عمل تخريبي جديد فقط يقوموا بنسخ ولصق الخبر السابق !! ألا تعلم أن
الأخبار الجديدة التي تقرأها عن تخريب الكهرباء أنه تم تحريرها الأعوام
الماضية ولا زالوا يقومون بنسخها ولصقها إلى اليوم عند كل عمل تخريبي ؟!
ولا يحتاجون إلا إلى تعديل مكان ووقت ونوع التخريب فقط !! .
أخيراً انتهى المخرب الثاني من اجابته وترك المجال للمخرب الثالث الذي
بدأ بالحديث عن نفسه قائلاً لا شيء يدفعني إلى تخريب الكهرباء غير أني
أريد أن أذكرهم بظلمة القبر، عل أن الله يهدي على يدي رجل واحد فأدخل
الجنة ..!! . هكذا لخص المخرب الثالث اجابته !!.
أما المخرب الرابع فتحدث عن نفسه قائلاً : أكثر ما يدفعني إلى تخريب
الكهرباء عشقي الكبير للشهرة والظهور، فأنا أعطي اسمي بعض القنوات
والمواقع الاخبارية اليمنية لتنشر الخبر العاجل وترفق له اسمي، ولكن
بعضها وللأسف ينشر الخبر واسمي قبل ان أقوم بالعمل التخريبي !! وقد تمكنت
مؤخراً من التواصل معهم لكي ينشروا الخبر بعد تنفيذ التخريب، فأخبروني
بأنهم ينشرون الخبر حتى يتمكن الناس من مشاهدته قبل أن تقطع الكهرباء !!
بادره المخرب الخامس متسائلاً ألست تخشى على نفسك من الدولة ؟؟ أجابه
بتعجب أي دولة تتحدث عنها أنا أدخل مدينة صنعاء واعبر المراكز الأمنية
ولا يعرفون عنّي شيئاً .
ثم وجه المخرب الخامس سؤال أخير له قائلاً تعست كيف تعشق شهرة دنيئة تنقص
من مكانة الرجل وتسيء لسمعة قبيلته ولا يجني منها غير كراهية الشعب
وبغضهم له ؟؟ أجاب : أنا لا يهمني نوع العمل ونوع الشهرة، كل ما يهمني أن
أشتهر بأبسط عمل وبأقل تكلفة !! ألا تعلم بأن أقرب الطرق إلى الشهرة
إخراج محطة مأرب الغازية عن الخدمة ؟!! ويمكنك هذا فقط برمي خبطة على
الكابلات، ولا تنسى بأن هنا في اليمن من أمثالي الكثير يعشقون التخريب
والظلام ؟!! لذا فهم يحبونني ويشجعونني ؛ ولكن أنت لم تذكر لنا الأسباب
التي تدفعك الى الاعتداء على الكهرباء ؟؟.
أجاب الخامس قائلاً نعم ولكن إذا تريدون على وزن إجاباتكم، فأنا أكثر ما
يدفعني الى تخريب الكهرباء عزيمتي على نصرة المظلوم، فأنا أعتدي على
الكهرباء لأنصف أبناء مأرب المحرومين من كهرباء محطتهم الغازية، ألا
تعلمون ان أغلب مديريات مأرب لا تزال محرومة من الكهرباء ؟؟ قاطعه الرابع
قائلاً ولكنك لست من مأرب !! أجاب نعم لست من مأرب ولا من الجوف ولا من
نهم، ولكن يجب أن أقف إلى جانب المظلومين من أبناء اليمن المحرومين من
الكهرباء، ولكي انتصر لهم يجب أن أقطع الكهرباء حتى أحقق العدل بين أبناء
اليمن، إما ان تضيء الكهرباء كل مدن وأرياف اليمن أو تنطفئ جميعها .
استطرد انفاسه الخامس واستثنى كلامه قائلاً: جميعنا نبرر لأنفسنا جريمة
كبرى نرتكبها مقابل حصولنا على أموال حقيرة، ونقوم بهذا العمل انتقاماً
من الشعب وثورته ؛ ألا تعلمون أنكم عندما تقطعون الكهرباء تتسببون في موت
المئات من أبناء اليمن الذين يُرقّدون في المستشفيات ؟؟ ألا تعلمون أنكم
تتسببون في وفاة العشرات من أبناء اليمن عندما يلجئَون الى استخدام
مولدات صغيرة ويسيئون استخدامها وتودي بحياتهم ؟؟ ألا تعلمون بأنكم
تسيئون لأنفسكم ولقبيلتكم ولمحافظتكم بهذه الأعمال الحقيرة ؟؟ ألا تعلمون
بأنكم تدمرون اقتصاد بلادكم بهذه الأعمال الإجرامية ؟؟ ألا تعلمون بأنكم
محاسبون بهذه الجرائم التي ترتكبونها بحق شعبكم ؟؟ يجب أن نتوب إلى الله،
ونسأله أن يغفر لنا ما سلف منّا من تخريب، عسى أن يغفر لنا .
غطّوا رؤوسهم وأجهشوا بالبكاء برهة من الزمن .. رفع رأسه المخرّب الثالث
ثم انسحب من بينهم بهدوء، وأخذ خبطة معدنية ورماها على خطوط نقل الطاقة،
فأضاءت ما بينه وبينهم، ورفعوا رؤوسهم مذعورين ظنّوا أنها القيامة ولم
يخطر ببالهم أن أحد منهم يعود لفعلته بنفس اللحظة، وإذا الثالث فيهم يضحك
ساخراً منهم ، فعاتبوه على فعلته هذه ، فأجاب ذكّرنا أخانا بالآخرة وأريد
أن أذكرهم بالقبر وظلمته !!.