في يومين أعلنت المملكة العربية السعودية عن قرارين هامين , شكلا نقلة نوعية تنبئ عن تغيير طارئ في نهج سياستها الحصيفة المعتادة , وهي سياسة طالما التزمت بها في تعاملها مع غيرها من الدول والجماعات الإسلامية , وتحاول بواسطتها احتواء الجميع وعدم قطع خطوط التواصل مع الدول والجماعات ولو كانت خصما لها .
سياستها المعتادة أن تترك بابها مواربا مع الجميع دون إغلاق محكم لعلها يوما تحتاج الولوج عبره لمد جسور التعاون نحو تحقيق أهداف خاصة أو مشتركة . ولكنها هنا خالفت ما اعتادت عليه من الحصافة وسعة البال , وكأنها قد اضطرت للإعلان عن القرارين تحت ضغط شديد غامض وقع عليها ليتحقق بهما تقدما سريعا نحو غاية مرسومة مسبقا . كان القرار الأول ينص على سحب سفيرها من دولة قطر الشقيقة ! .
ولحق به القرار الثاني وهو اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية من ضمن جماعات أخرى تم الإعلان عنها .
وأعتقد أن أسماء الجماعات الأخرى هي مجرد جمل اعتراضية فقط , بينما الهدف الأساس هو جماعة واحدة لا سواها " الإخوان المسلمن" . لقد كان وصول الإخوان للحكم في مصر وفي غيرها من بلاد الربيع العربي مع وجود حركة حماس في "غزة " بمثابة ناقوس خطر في دول الطغاة وقصورهم منذرا بخطر أكبر على مصالح الغرب وحياة ربيبتهم " إسرائيل ", مما يحتم عليهم سرعة التدبير لاحتواء هذه الثورات وتأخير نصرها وعرقلة انتشارها.
ومع كل التدابير الوقائية المتعددة بقيت الجماعة صامدة فاعلة تعينها في حركة سيرها دولة قطر , التي غردت خارج سرب " عصافير الزينة " ملقحة زهور الربيع العربي بما تحتاجه من الدعم والقوة . فكان لا بد من لفت نظرها إلى خطورة هذا النشاز المخالف لعزف الجوقة الخليجية الملتزمة بنوتة لا يجب الخروج عنها , فكان قرار سحب السفراء السابق لعله يشكل على قطر ضغطا تتنازل به ولو قليلا عن دعم الإخوان . وأردفت المملكة قرارها ذلك بقرار جديد وهو اعتبار الإخوان جماعة إرهابية .
وكلا من هذين القرارين يهدفان إلى تركيع جماعة الإخوان وتفتيت درعها والتضييق على مناشطها وتجفيف ينابيعها , وصولا إلى تقييد حرية عدد من رموزها المعروفة في العالم أو تهديد حياتهم . وسيتم ذلك في المملكة عبر إجراءات متتابعة تلي إعلانها السابق " في حالة فشله" مبتدئة بإغلاق الجمعيات والهيئات التي تم تصنيفها مسبقا ـ بعمل استخباراتي محكم ـ أنها ذات علاقة بالإخوان والقيام بتجميد أموالها وأصولها مما يضر كثيرا بمشاريع الخير لهذه المؤسسات في العالم الإسلامي وسيجعل عددا غير قليل من الناس بلا أعمال ولا دخل , وان لم يؤدِ ذلك إلى خضوع الحركة لما قد تم ترتيبه لها من الانتكاس فستنتقل إلى خطة أكثر تأثيرا وهي القبض على رجال قد ربطت المخابرات فيما بينهم وبين الإخوان . وقريبا من ذلك سيتم إتباعه مع حماس فقد أعلنت محكمة مصرية عن منع حركة حماس من ممارسة نشاطها في مصر ., فلا يستبعد بعد أيام أن تصدر الحكومة المصرية قرارا سياسيا يضع حماس ضمن الجماعات الإرهابية .
مما سيترتب عليه ضغط لا قدرة على احتماله , فغزة لا تحتمل أن يتم حصارها من ناحية معبر رفح , فذلك سيصيبها بشلل تام في الخدمات العامة والاجتماعية على حد سواء . وكل هذا قد يجبر " الحركة الأم " على الخضوع والاستسلام لطلبات الغاصبين دون قيد و شرط وأن تكف عن التمدد المخيف في المنطقة وترضى من الغنيمة بالإياب .
إن هذه الخطوات والقرارات تعد رسالة إلى كل الدول والهيئات التي تساعد الإخوان وحماس , وهي رسالة قوية قد تنجح أو قد تفشل في تحقيق أهدافها . فالإخوان اليوم دول تحكم وأحزاب تشارك الحكم وهم كتل فاعلة في مجالس نوابهم وهم مراجع علمية ودينية لا يستهان بقوة تأثيرها وهم كتائب عسكرية جهادية تجيد الدفاع عن نفسها عند الضرورة القصوى . وهم جماعة وسطية معتدلة لم يثبت عليها مطلقا القيام بأي عمل تدميري أو انتحاري في أي بلد , إلا إذا كان جهادها على ارض فلسطين ممثلة بحماس يعد إرهابا فذلك شأن أخر لن تعدم مصر والمملكة من إيجاد من يفتون لها به ! .
سيكثر الجدل والتحليل عن الدوافع والأسباب وعن المستفيد الأكبر من قرارات كهذه . ومن المؤكد أنها دوافع وأسباب وفوائد لا علاقة لها مطلقا بعزة الإسلام والمسلمين .