قبل قليل هاتفني صديق كعادته - لا يتصل الا كل الجمعة للتهنئة، او لعل لديه شيء من تخفيضات تعرفةالاتصال في مثل هذا التوقيت-؛ نقل إليّ خبر طرد العميد "ناصر الطويل" من ساحة المعلا ومنعه من أداء الصلاة. لم استوعب الخبر، إذ انه لم يحدث قط ان قام مصلون بطرد آخر ومنعه من الصلاة تحت أي مبرر، او على الأقل لم يمر عليّ خبراً كهذا من قبل، ولم اسمع به. بينما كنت في حالة شرود، قطعها صديقي بقوله: "لكنه حدث"، وانهى المحادثة.
من هول الحادثة، وجدتني امسك هاتفي المحمول، واتصلت للعميد "ناصر صالح عبدالقوي" الشهير بـ"ناصر الطويل"، لأستفسره عن الأمر، لم يكن يدر بخلدي ان المكالمة ستتحول الى "تضامنية" بعدما اكد صحة الخبر. و أكد لي ان الحادثة ما هي الا نتاج لسلسلة من التهديدات التي تعرض لها خلال الفترة الأخيرة. ووصف الحادثة بأنها "محاولة اغتيال" مع سبق الإصرار والترصد، و منعاً للفتنة بين المصلين آثر الانسحاب من المكان بهدوء، لأن رفضه سيؤدي الى انقسام المصلين بين مؤيد ومعارض، وربما تطور الأمر الى ما لايحمد عقباه.
انهيت مكالمتي مع الطويل، وقبلها مع صديقي الذي كنت افرح باتصاله كل جمعة، لكنه زرع بداخلي شيء من الخوف تجاه اتصالاته القادمة، التي ربما اتجاهلها كلما كان مزاجي جيد، حفاظاً على لحظات الصفاء النادرة التي نسرقها خلسة من زمن البؤس الذي يخنقنا بكل ادواته.
العميد "ناصر الطويل"، لا يحتاج الى شهادة من أي كائن، فأدواره البطولية والنضالية في مسيرة القضية الجنوبية منذ ما قبل تشكل الحراك الجنوبي السلمي، لا تخفى على احد، او يفترض بها كذلك. لكنها اختفت في ظل حالة التعبئة المغلوطة التي يمارسها البعض اليوم دون وعي في صفوف الحراك الجنوبي.
تحريض بصورة مقيتة، تمارسه نخبة لتحقيق منافع ذاتية لا علاقة لها البتة بالقضية الجنوبية، لكنها تريد المشهد لها لوحدها، ليس من اجل حمل القضية نحو بر الأمان، والا كان الجميع بارك لها مسعاها، هي تبحث عن ذاتها المريضة بعقد الماضي، لتصفية خصومه مع الماضي وشخوصه.
حادثة طرد "ناصر الطويل"، هي طرد للآخر، طرد لأصوات العقل، وإفراغ الحراك الجنوبي من قياداته، وضرب رموزه النضالية التي خبرتها الساحات والمعتقلات، هي طرد ايضاً لقيم التصالح والتسامح. طرد للمشروع الجنوبي الجامع.
حادثة الطرد تلك، لم تقم بها "قوات الاحتلال"، ولا مراكز القوى والنفوذ، ولا ابناء الشمال، ولا ابناء الجنوب من الأحزاب والتنظيمات السياسية، ولا ابناء الجنوب خارج الحراك الجنوبي السلمي، لقد قام بها نشطاء في الحراك الجنوبي ضد احد قياداته ورموزه النضالية، وهي مؤشر على ان دائرة الحراك بدأت تضيق، وسيطردون ذواتهم غداً إن لم يجدوا من يطردوه.
فهل بقي شيء من عقل؟!
سؤال آخر السطر.