عندما تصبح جريمة القتل وانتهاك حرمة بيوت الله في عقيدة مرتكبيها عبادة
لله وتقرّب إليه، فإنها مصيبة كبرى وضلال مبين عن الحق المبين، وانحراف
عن الدين الإسلامي الحنيف بل وعداء ومحاربة له هذا العمل وانتقام من
أتباعه .
لا يمكن لمسلم عاقل أن يقدم على قتل أخيه المسلم، أو يقدم على هدم بيت من
بيوت الله بدافع سياسي أو قبلي مهما كان الخلاف السياسي أو القبلي محتدم،
ولكن متى ما كان هناك خلاف فكري مزود بخطاب ديني يبيح أو بالأصح يأمر
بسفك الدماء المسلمة وانتهاك حرمة بيوت الله، بصفته عمل نصرة لله وتقرّب
إليه، فلا نستغرب أن يقدم مثل هؤلاء وبكل تبجح وافتخار ومجاهرة على مثل
هذه الجرائم البشعة الشنيعة المعادية للإسلام وأهله .
اليمن ليست حديثة عهد بالصراعات القبلية والسياسية ،ولكنها لم تعهد صراع
الأفكار والمذاهب إلا بعدما جاء الحوثي بفكره الشاذ والعدواني القادم به
من خارج اليمن واختلق الصراع الطائفي، والذي يعد الأول من نوعه في تاريخ
اليمن، ذلك الصراع الطائفي الذي يصنعه ويقوده الحوثي وينشره في اليمن .
شهدت اليمن العديد من الحروب والصراعات القبلية والسياسية، وخاض أبنائها
فيما بينهم العديد من المعارك في حروب الثأر بين القبائل وصراع السياسة
على الحكم، ولم تشهد تلك المعارك أي استهداف متعمد لبيوت الله، أو أي
استباحة متعمدة لدماء المدنيين الأبرياء من الشعب، أو احتلال أو اجتياح
لأراضيهم كالذي شهدته اليمن وتشهده حالياً على يد مليشيات الحوثي
الإجرامية في سلسلة عدوانها على الشعب اليمني وبيوت الله .
تفجير بيوت الله ودور العلم، والتصفية الجسدية لعامة الناس واحتلال
أراضيهم، وتفجير بيوتهم وتهجيرهم منها، ومصادرة أملاكهم، كل هذا العدوان
البغيض والغريب الذي لم يسبق وأن عهدته اليمن إنما يدلُّ على وجود فكر
متطرف دخيل على اليمن، ودين مخالف لدين الإسلام، وعقيدة منحرفة كلياً عن
عقيدة المسلمين وملتهم، تستغل الخطاب الديني والفتاوى الدينية المزيفة في
تعبئة الشباب اليمني بأفكار مخالفة تأمر بوجوب قتل من يخالفهم الفكر،
وتأمر بتدمير المساجد ودر الحديث والمدارس الغير تابعة لهم، ويعتمدون على
أدلة فاجرة تزودهم وتقنعهم بها، مسنودة لمن قبلهم من أئمتهم أهل الضلال،
ويستغلون تلك الأدلة في إقناع مليشياتهم بتفجير المساجد وسفك الدماء .
كنّا نشاهد بيوت الله أحياناً تُدمّر في الحروب حول العالم، ولكن ليس في
قصف متعمد، وإنما بسبب القصف العشوائي، أما هنا في اليمن فلأول مرة تشهد
بيوت الله استهداف متعمد 100% ودون حياء أو خجل، جاهروا باستهدافهم
المتعمد عندما استخدموا المتفجرات الأرضية في جرائمهم الناجمة عن حقد
دفين، ولو كانوا يشعرون بالخجل لاستهدفوها بقذائف وزعموا بأنه قصف عشوائي
غير متعمد .
هناك عقيدة راسخة توجد لدى من يقومون بهذا الإجرام بحق بيوت الله
واستباحة دماء وأموال الشعب اليمني وممتلكاته، كما يوجد لديهم فكر يؤمنون
به إيمان جازم، وإلا لما كانوا يجاهرون بأعمالهم هذه التي لا يمارسها إلا
أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والكفرة والمشركين، ولو لم تكن لديهم
عقيدة تأمرهم بذلك ويؤمون بها لما أصرّوا على ممارسة أعمالهم هذه، ويضحون
بأنفسهم من أجلها .
هناك خطاب ديني ضال ومضلّل تستغله جماعة الحوثي في دعم مشروعها الإجرامي
واستغلال الشباب واستقطابهم، حيث تُصوّر لهم بأنهم في حربهم على الشعب
اليمني يتقربون إلى الله ويجاهدون في سبيله، وعندما يقتلون من يخالفهم
والفكر من أبناء الشعب اليمني ويهدمون مساجده فأنهم ينصرون الله ..!!!.
استغلال الخطاب الديني في إدارة الحرب باسم العقيدة ونشر الصراع والحشد
له لتحقيق مآرب شخصية، ولتنفيذ أجندة خارجية، أشد خطراً على اليمن من
إدارة الحرب بالخطاب السياسي أو القبلي، لأن الخطاب الديني يصنع مقاتلين
شرسين يبيعون الغالي والنفيس ويضحون بأنفسهم وحتى بأهلهم وأقاربهم من أجل
الجنة التي وعدهم بها قائدهم الذي يتلقون التعبئة على يده، أوصاحب الفكر
الذي يؤمنون به، فيقاتلون بشراسة ويستبيحون ما أباح لهم فكر سيدهم حتى
وإن كانت بيوت الله، وهكذا يستمر الصراع باسم الدين وتتوارثه الأجيال،
أما الخطاب السياسي فهو لا يؤثر على أتباعه، ولا يشكل أي خطورة مستقبلية،
فما أن تحصل الأطراف السياسية على ما تقاتل من أجله سرعان ما تتفق وتتآخى
فيما بينها، وكذلك الخطاب القبلي في حروب الثأر ما أن تأخذ الأطراف
بثأرها وحقوقها حتى تتصالح وتعود الأخوة بينهم .