يتم الحديث مؤخرا وبشكل واسع عن مصاعب وعراقيل - بعضها حقيقي والأخر مفتعل- تعيق قيام الدولة الاتحادية الفدرالية, وهنا نورد ذكر أهم هذه المعوقات في هذا الجانب, ومدى تأثيرها السلبي في المستقبل .) .
أصبح موضوع التأسيس لدولة اتحادية فيدرالية في اليمن والتباين في عدد أقاليمها والتحديات التي باتت تواجهها واحدة من القضايا الأكثر إثارة في الحياة السياسية اليمنية في الوقت الراهن, وهي معوقات داخلية وخارجية، أما عن المعوقات الخارجية فيمكننا الحديث عن تدخلات محتملة وبعضها قائمة, حيث لا يقتصر الجدل الدائر الآن بشأن المسار نحو النظام الفيدرالي على اليمنيين وحدهم، بل تتدخل فيه دول الجوار الجغرافي، محاولة توجيهه وجهة تقلل من آثاره السلبية على اليمن وعلى أمنها القومي كما أن المنطقة تعيش حالة تسلط من قبل حكام يفرضون مركزية قاتلة على شعوبها ويهدرون الثروات الوطنية بحجة الحفاظ على قيم الدين ووحدة الوطن ومحاربة الاستعمار الجديد والصهيونية العالمية .. الخ وغيرها من الشعارات الزائفة والمعروفة لنا جميعا, أما عن المعوقات الداخلية فأجد أن الإعلام اليمني أهم معالمها الأساسية, إذ أن الإعلام الرسمي بسوء أدائه يخلق مصاعب جمة في التهيئة للدولة الاتحادية القادمة, وبعض الإعلام الأهلي الذي ينحاز كليا إلى جانب المناهضين لقيام النظام الاتحادي الفيدرالي، وهو من يؤجج اليوم لفتنة الأقاليم ويعمل على تعبئة الرأي العام اليمني بل والخليجي والعربي ضد قيام النظام الفدرالي وتعدد الأقاليم في اليمن مهولا من تبعاته وأخطاره على وحدة البلاد والعباد، كما ان الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإدارية الحالية لليمن هي من أهم المعوقات الداخلية التي تواجه قيام الدولة الاتحادية بأقاليمها المتعددة, حيث ان زيادة عدد الأقاليم وما ينتج عنه من حكومات وهيئات محلية ومستويات إدارية مختلفة تفرض زيادة في التكلفة والأعباء المالية, وتتطلب موازنات اضافية لا تتحملها موارد اليمن حاليا .
وبالمقابل هناك بعد حضاري وشيء من الموروث الديمقراطي يقف في مواجهة العراقيل والمصاعب التي تعيق سرعة اقامة الدولة الاتحادية الفدرالية ..
وبالإمكان معرفة البعد الحضاري لشكل الدولة الجديدة من خلال قراءة الخارطة الإنسانية تظهر الشعب اليمني سليلاً لحضارة خالدة وأصل العروبة الذي يناضل لينتصر لإنسانيته ومدنيته, ومن الناحية الحضارية والتنموية فإن فكرة النظام الفيدرالي يعتبر من اهم الحلول لكثير من القضايا الراهنة وهي السبيل لبناء اليمن الجديد وبرؤية عصرية مناسبة بعد عقود طويلة من الظلم والاستبداد, والنظام الفيدرالي الاتحادي هو المخرج لمشكلات اليمن، ونظام الدولة في اليمن القديم كان فيدرالياً، وفي ظل هذا النظام سيولد وعياً وطنياً عميقاً، ودولة وطنية قوية تعتز بانتمائها الحضاري والديمقراطي والعصري، وبالتالي ستختفي النزعات المناطقية والسلالية، ونزعة الهيمنة والتطرف، وممارسة الإقصاء والإلغاء، وستوقف الفيدرالية بالضرورة حمام الدم في اليمن الذي من أسبابه العديدة سلطة الدولة المركزية, وتسهم الفيدرالية في بناء الدولة اليمنية الديمقراطية المدنية والحديثة التي يسودها النظام والقانون والأمن والاستقرار والعدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان, وستقيم المشروع الحضاري والتنموي والتنويري الذي توفره المنافسة بين الأقاليم . كما ان نظام الأقاليم هو توسيع للمشاركة الشعبية والمجتمعية في السلطة والثروة وفي الرقابة الشعبية ويحقق التنمية الشاملة والمستدامة وبوتائر عالية, كما أن شكل الدولة الجديد يحمل محددات حقوقية وتنموية زاخرة بالعطاء وتساهم في تعزيز وحدة اليمن من خلال ترسيخ روح المواطنة والانتماء الحضاري الواحد وخلق وعي مجتمعي بالهوية الفيدرالية وأهميتها، والدفع باتجاه تحقيقها، باعتبارها الممثل الحقيقي عن مصالح المجتمع .. وتحقيق الفيدرالية بعد قانوني يتطلب تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين استناداً للعقد الاجتماعي الجديد الذي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع، وبعد اقتصادي اجتماعي يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للمواطنين ويحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم, وبعد ثقافي حضاري يعنى بالجوانب الروحية والنفسية والمعنوية للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويرفض محاولات الاستيعاب والإقصاء والتهميش والتنميط .
كما ان هناك قوى تسعى للانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار ووأدها في مهدها, وهي القوى التقليدية التي تضررت مصالحها من عملية التغيير كما تضررت أيضا من تلك المهام العديدة الوارد ذكرها في قرارات ومخرجات مؤتمر الحوار فرفضت التوقيع على مخرجاته ووثائقه النهائية, وهي أيضا تلك القوى التي تحمل السلاح وما زالت ترفض وضعه جانبا والالتحاق بركب الحضارة في البناء والتشييد لليمن المدني الجديد, هذه القوى التقليدية المرتبطة بالعهد القديم والتي تسعى إلى إعادة الفوضى من جديد هروبا من تنفيذ مخرجات الحوار والانقلاب على المبادرة الخليجية والتي تسعى لاحتواء القوى المدنية في اليمن .
وعندما نتحدث عن إعاقة العملية السياسية في اليمن وتحديدا عن وضع العراقيل المصطنعة امام عملية التغيير والتحديث في اليمن الخ .. وهنا بالضرورة يبرز السؤال المحتوم القائل (هل لبت مخرجات مؤتمر الحوار تطلعات الشعب اليمني في التغيير.. والشباب بالتحديد؟) ..
نعم, لقد نالت مخرجات الحوار الوطني ثقة الشباب والمجتمع الدولي الذي كان له دور كبير في دعم العملية السياسية التوافقية في اليمن , ومن ضمن الضمانات اللازمة لتنفيذ مخرجات الحوار استمرار دور المجتمع الدولي في دعم تنفيذ مخرجات الحوار وإيداع وثيقة الحوار الوطني في مجلس الأمن حتى يتم معاقبة أي طرف يحاول أن يقوض العملية السياسية ويعيق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني . شباب الثورة الشبابية الشعبية السلمية كانت مطالبهم عالية ووطنية وأهداف ثورتهم تشمل معالجة لكافة القضايا الوطنية والانتقال إلى رحاب الدولة المدنية الحديثة، وبالتالي فإن مخرجات مؤتمر الحوار ومعالجتها للقضايا الوطنية هي انتصار لإرادة الشباب ومن ضمن مسارات أهداف الثورة التي يعمل الشباب على استكمال تحقيق أهدافها ولن يتوانوا حتى يتم استكمال تحقيق كافة الأهداف . وكان من أبرز مقررات مؤتمر الحوار والوثائق التي خرج بها هي وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي شملت كل تقارير الفرق التسع المنبثقة عن المؤتمر، إضافة إلى وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية. حيث شملت وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار محددات دستورية وقانونية سيتضمنها الدستور القادم لضمان التنفيذ الفاعل لمخرجات الحوار التي يضع عليها الشباب آمالاً كبيرة في تجسيد طموحاتهم كافة وفي المستقبل المنظور كما حرصت مخرجات الحوار الوطني على صعيد الحقوق والحريات أن تكفل للشباب حقوقهم الكاملة للمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والعمل المدني، وكذلك حقهم في الوصول إلى مراكز صنع القرار وفق ضمانات ومحددات دستورية واضحة وقاطعة .