ينتظر تجار الشائعات حدوث أي أزمة أو مشكلة باعتبارها موسماً كي يدفعوا ببضاعتهم الرديئة والمغشوشة لعرضها على الجمهور,بل وبيعها بصورة مغلفة لا تظهر عليها حقيقة كذبها ولا صلاحية إنتاجها,ويتقبلها كثيرون بشغف ويتعاطون معها بمصداقية.
يستغل مروجو هذا النوع من الدعايات طيبة المواطن اليمني القابلة لتصديق أي شيء لتمرير ما يريدون من أخبار كاذبة ومواقف باطلة,وإشاعات تهدف لزرع البلبة والفتنة وتعميق الشرخ الاجتماعي، يركب أحد تجار هذه البضاعة باص أجرة ويقول لمن حوله من الركاب عند مروره على شارع محفّر انظروا ماذا عملوا من تغيير,وهو يعرف أن حال الشارع هكذا من قبل ولكنه يريد التغيير بين عشية وضحاها، وتجلس مع أحدهم فيقول لك متسائلاً: ماذا قدمتم لنا؟ فأرد عليه أننا صبرنا على الفساد والاستبداد ثلاثة عقود ولم نتكلم ومن المنطق أن ننتظر قليلاً بعد التغيير لنرى ما نحلم به واقعاً في حياتنا بشرط إخلاصنا وتخلينا عن متابعة الأخطاء لا لكي ندعها تمر ولا ننتقدها ولكن من أجل أن لا نصبح نقّادا في وقت أحنا بأمس الحاجة لأن نكون عمّالاً لوطن يحاول استعادة قواه وبنيانه ومكانه بين الأمم.
ينبغي أن نتخلص من ثقافة تبرير الأخطاء والممارسات وثقافة التعجيز التي تريد تحقيق ما عجزنا عن فعله بسنوات,وبين ذلك نتبع سبيل الدعاة المصلحين والنقاد المخلصين الذين يسعون لخدمة وطنهم وشعبهم ولا يضيرهم تبصير المسؤولين بأخطائهم وممارساتهم غير القانونية.
إن المرحلة التي نعيشها تقتضي إعلاء قيم الشفافية والصراحة وترسيخ وسائل التغيير بالكلمة قبل الوصول إلى الفعل بالشارع,بدلاً من التعامل مع الناس بعد الثورة بمنطق التجهيل وتمرير الشائعات وخلق مجتمع يؤمن بالتنجيم والمشعوذين نعجز معه فيما بعد على إقناعه بالحجج والبراهين ولو كانت حقائق مسلمة.
لماذا يفضل البعض انتقاد الحكومة أو الرئيس على طريقة الخائفين الذين يريدون من غيرهم إيصال أفكارهم هروباً من المحاججة بإقناع الجمهور المستهدف ويتبعون أساليب المتربصين بسقوط خصومهم, ولا يدركون أن عاقبة الساعين بالفساد والفتنة الاكتواء بالنار التي يشعلونها لغيرهم.
ما يزال مصدر معلومات هؤلاء الفعل الماضي (قال),الذي فاعله مجهول,إن لم يكن ناقل الشائعة هو الفاعل نفسه, وقد مضى زمن على الناس وقعوا فيه ضحية ذلك,فتارة يبثون شائعة للهث وراء المال (الفانوس) وتارة أخرى لحرف أنظار الرأي العام عن واقع ماثل.
إن وسائل الإعلام دخلت على خط الترويج ولم تعد مسوقة فقط,بعد أن غدت بائعة أيضاً,وأصبحت تزخر بسيل من التسريبات لا يتوقف عن قرارات جديدة وتعيينات وإقالات وهلم جرا من الفبركات التي درج أصحابها على تمريرها تحت مسمّى "مصادر مطلعة", و"مصادر خاصة", ونحوها من مسمّيات تسويق الشائعات,وهكذا نطالع أخباراً على هذه الشاكلة حتى ضاعت المهنية في زحمة التسويق وليس السبق.
نتوقع أن يتراجع زبائن تجار الشائعات بعد الوعي والصحوة التي أحدثتها الثورة,ونتوقع كذلك أن تختفي مواقع الترويج التقليدية كالباصات ووسائل النقل المختلفة والأسواق لصالح وسائل الإعلام المرئية والالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة.
نصيحتي لهؤلاء التجار أن يبحثوا لهم عن تجارة أخرى محترمة ويتخلوا عن بضاعتهم المزجاة والفاسدة,فقد مضى زمن كان زباؤنهم يقبلون عليهم فرحين,يتلقون منهم ما يريدون ثم يعودون إلى قومهم ناشرين ومبلغين ولا نامت أعين الفاسدين.