المواقف الأمريكية و الأوربية الحالية تجاه الأزمات السياسية ( الثورية ) في مصر و أوكرانيا فضحت بوضوح المعاير المزدوجة للسياسة الغربية . ففي حين أن القادة الغربيين لم يحركوا ساكنا حيال أعمال القمع و المجازر المرتكبة في مصر إلا ببعض التصريحات الخارجة منهم على إستحياء ، إذا بنا نراهم يفقدون صوابهم و يسارعون لدعم المعارضة الأوكرانية و ثورتها منذ الأيام الأولى ، بل و يتسابقون في التنديدات و فرض العقوبات ضد بعض المسئولين الروس و الأوكرانيين . هذا النفاق السياسي الواضح يؤكد أن الأمريكان و شركائهم الأوربيين هم في الحقيقة انتهازيون يبحثون فقط عن مصالحهم و لا يهمهم المبادئ الزائفة التي يتشدقون بها و يرددونها عن دعمهم للديمقراطيات و احترامهم للحريات . سياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب تجاه هاتين الأزمتين يرجع أساسا لإدراكه بالأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا التي ينظر إليها الأوربيون كبوابة شرقية لإتحادهم ، ويرى فيها الأمريكان عمقا جغرافيا على مشارف أعتى خصومهم العالميين ( روسيا ) يمكنهم الإستفادة منه مستقبلا سياسيا و إقتصاديا و عسكريا. بينما تختلف نظرة الساسة الغربيين للوضع المصري فهم يعتقدون أن بروز مصر الديمقراطية كقوة إقليمية يمثل تهديدا كبيرا لمصالحهم في المنطقة و على رأسها أمن إسرائيل ، كما أن للغرب تخوفاته الشديدة من أي توجه مستقبلي لمصر نحو الإستقلال السياسي و الإقتصادي و العسكري و التخلص من التبعية الامريكية و الأوربية في هذا المضمار . لكننا نعتقد أنه برغم أخذ السياسة الغربية لهذا التوجه الإنحيازي إلا أن اشتداد تدهور العلاقات مع روسيا خلال الفترة القادمة و كذا تزايد الحراك الثوري في مصر من شأنه دفع المسئولين الغربيين لتغيير الكثير من ملامح سياستهم الخارجية نحو هاتين البلدين ( أوكرانيا و مصر ) خاصة في في حالة عدم ةإستجابة روسيا لضغوطاتهم مع عدم رغبة الغربيين للعودة لأجواء الحرب الباردة الأمر الذي قد يضطرهم لتقديم بعض التنازلات و السعي للتفاهم مع الروس ، أما بالنسبة لسياستهم مع مصر فإن إستمرار الشارع المصري الثائر في مطالبه سيدفعهم إما عاجلا أو آجلا للإعتراف بالحقوق الثورية المشروعة للمصريين .