مؤسف جداً من سيادة الرئيس هادي النظر إلى محافظات اليمن من منظارين
مختلفين، ومؤسف جداً من سيادة الرئيس الكيل بمكيالين في قضايا الوطن
المتشابهة، كسيادة الدولة وهيبتها عندما يفرضها بالقوة في بعض المحافظات
ولا يتهاون مع من يتمرّد في وجه الدولة، وهذا شيء جيّد، ولكن يتهاون في
سيادة الدولة في بعض المحافظات ويفرّط فيها ويتعامل بكل رفق ورقّة مع
المتمردين أعداء الدولة المنتهكين لسيادتها، الذين أسقطوا هيبتها وأخرجوا
صعدة وأجزاء مما جاورها من المحافظات عن سيادتها .
قد رأينا كيف أعلن الرئيس هادي الحرب وحشد الجيوش لاستعادة أبين وما
جاورها من المناطق القابعة تحت سيطرة تنظيم القاعدة، ورأينا كيف خاض
الجيش اليمني أعنف المعارك في سبيل استعادة أبين كونها جزء من اليمن ويجب
استعادته، ولا هيبة ولا سيادة للدولة ما لم تستعيد ذلك الجزء، وعلى هذا
كنّا على ثقة كبيرة بأن الرئيس هادي بعد استعادته لأبين سيحشد الجيوش
ويعلن الزحف لاستعادة صعدة وفرض هيبة الدولة فيها، كون صعدة جزء من اليمن
يجب استعادته، ولا هيبة ولا سيادة للدولة ما لم تستعيد ذلك الجزء كما
استعادت أبين .
انتهت الحرب واستعادت الدولة أبين وانتظرنا بضعة أيام ونحن على أمل أن
نسمع قرار الرئيس هادي باستعادة صعدة، وفجأة سمعنا ما لم نسمعه قبيل
العزم على استعادة أبين، سمعنا أصوات رسمية تقول بأن الجيش منقسم وأن
المرحلة لا تسمح والوضع لا يطمئن، والعديد من هذه المحبّطات التي لم
نسمعها عند قرار استعادت وأبين في تلك المرحلة الصعبة، التي كان الجيش لا
يزال فيها منقسم ويتبع عدة جهات متنازعة .
انقضت الأيام والأشهر ومضت عامين ونحن ننتظر اللحظة التي نرى فيها الدولة
تمضي في استعادت سيادتها وفرض هيبتها على كل شبر في اليمن، ولكن دون
جدوى، بل تفاجئنا بالعكس تفريط كامل في السيادة، وكل يوم نفتقد منطقة
تخرج عن سيادة الدولة وسيطرتها، وأخيراً فوجئنا بتحكيم رسمي من الدولة
للمتمرّد القاتل الذي أستباح دماء جنودها ومواطنيها في الوقت الذي كنّا
ننتظر منها الخطوة الجبّارة لاستعادة صعدة وفرض هيبة الدولة، ونزع السلاح
السيادي من أيدي المليشيات المسلحة .
فاجأ الجميع تصرّف لجنة الوساطة الرئاسية في عمران من تحيكم لمليشيات
الحوثي الأسبوع الماضي، ولم يستوعب البعض هذا التصرّف من جهة تمثّل
الدولة، ولا يزال البعض لا يصدّق أن يكون هذا التصرف من دولة مع مواطن
متمرّد ؛ قمة المسخرة بهذا الشعب، وقمة الاستهتار بنظام الدولة
وقوانينها، وقمّة التفريط في سيادة الدولة وهيبتها .
ما حصل بنقطة الضبر الأمنية الواقعة بأحد مداخل مدينة عمران ماذا لو حصل
بمحافظة أخرى أو من مليشيات غير مليشيات الحوثي ؟؟ هل تعتقد أن ردّة فعل
الدولة ستكون كما كانت مع مليشيات الحوثي من تحكيم بالثيران والأسلحة ؟!
أم أن الدولة ستعرف واجبها القانوني وستقوم به ولن تتنازل عنه ؟؟
عندما نُقارن ما يحدث في عمران وما جاورها من تهجّم على القوات المسلحة
والأمن ومن استهتار بها من قبل مليشيات الحوثي، وما يحدث في الضالع وما
جاورها من مواجهات بين الجيش والأمن ومسلحين فإنك لا تصدّق أن تلك القوات
التي في عمران هي ذاتها التي في الضالع، لتلك الفروق الشاسعة بين هذي
وتلك هنا وهناك، بين الوهن والاسترخاء أمام مليشيات الحوثي والقبضة
الحديدية في محافظات أخرى .
يبدو واضحاً بأن الرئيس هادي يكيل بمكيالين في تعامله مع سيادة الدولة
وهيبتها بين مناطق وأخرى، ومع مليشيات وأخرى، فنجد بأنه يفرّط في سيادة
الدولة في صعدة وعمران وحجة والجوف وصنعاء، بينما لم يفرّط فيها في ابين
والضالع وشبوة وحضرموت والبيضاء، ونجد بأنه يتعامل مع بعض الجماعات
المسلحة بلا هوادة ويتعهّد بمحاربتها، بينما يتعامل مع جماعات مسلحة أخرى
وكأنه يتعامل مع دولة مستقلة ذات سيادة على أرضها .
من المعلوم أن جماعة الحوثي مشروعها السيطرة على اليمن وإقامة دولتها كما
هو مشروع تنظيم القاعدة السيطرة على اليمن وإقامة دولته، ومن المعلوم أن
جماعة الحوثي أخرجت صعدة عن سيادة الدولة كما أخرج تنظيم القاعدة أبين عن
سيادة الدولة، ولكن الدولة سرعان ما حشدت قواتها واستعادت أبين بينما
تركت صعدة لجماعة الحوثي، بل وتغض الطرف عن عمران التي في طريقها إلى
اللحاق بصعدة .
في خطاب له منتصف أغسطس العام المنصرم قال الرئيس هادي : ( لا حوار مع
الجماعات المسلحة حتى تسلّم سلاحها للدولة ) ولكن جماعة الحوثي تشارك
بمؤتمر الحوار ولا نعلم كيف يرى سيادة الرئيس جماعة الحوثي وكيف تظهر
صورتها في نظره ؟؟ .
وهكذا سيظل هادي يكيل بمكيالين تجاه قضايا الوطن .. ولكن يبقى السؤال إلى
متى ولماذا ؟؟ ربما لأحد أمرين لا ثالث لهما :
الأمر الأول قد يكون الرئيس هادي يواجه ضغوط خارجية من جهات خارجية
مستفيدة من مشروع الحوثي، فتملي على الرئيس هادي القرارات التي تخدم توسع
الحوثي ولا يستطيع الرئيس رفضها، وهذا شيء مؤسف من الرئيس هادي .
أو قد يكون الرئيس هادي يعتقد أن الصراع القائم شمالي شمالي فلا يريد أن
يكون طرفاً فيه، وهذا شيء مؤسف أيضاً أن ينظر الرئيس هادي بمنظارين
مختلفين تجاه وطنه الواحد الذي أختاره رئيساً له .