الإمام عبد الله بن حمزة هو أحد العتاة الجبابرة الذين حكموا في اليمن، ويزيد من جبروته أنه حكم باسم المذهب، وقاتل المخالفين له وعاداهم بناءً على أنه يملك تصنيفهم إلى مؤمن وكافر!
ولأنه يتبوأ رغم تاريخه هذا مكانة متميزة لدى الحوثيين القدامى والجدد فهم أبداً ينافحون عنه وعن مواقفه التكفيرية وجرائمه حتى في حق الزيدية المعارضين له أو المختلفين معه في بعض المسائل العلمية، ويقدمونه كرمز من رموز البيت الصالحين والمذهب الحق، ولا يصفوه إلا بالإمام الأعظم!
ومنهم من يدافع عن المذابح التي نظمها للزيدية المطرفية لكيلا يقال فقط "إنه أخطأ وهو الإمام"! وربّما لذلك كانت سيرته المكتوبة هي الأكثر امتلاءً بالخرافات تحت مسمى الكرامات - لإخفاء حقيقته الدموية في بخور القداسة- التي حدثت له وهو رضيع حتى مشيبه، وهي خوارق لم تحدث في مجموعها ومضمونها حتى للأنبياء باستثناء ربما عيسى عليه السلام في إحيائه للموتى فقط أما الأخرى فقد صنع مثلها حتى إنه أعاد لشخص أسنانه!
وخلاصة مذهب الإمام عبد الله بن حمزة تجاه السنة والأشاعرة اليمنيين (الذين يسميهم المجبرة والمشبهة) يحدده في رسالته المسماة "الدرة اليتيمة في تبيين أحكام السبي والغنيمة"، التي كتبها رداً عمّن انتقده لاستباحته دماء وأموال وأعراض المسلمين من أتباع الأشاعرة الشافعية من الأيوبيين والذين كانوا تحت حكمهم.. حيث يقرر: [ولا كفر أكبر من [كفر] هذه الفرق المخالفة لنا في مذاهبنا المتعلقة بأصول الدين كمن يضيف أفعال العباد إلى الله تعالى. وبهذا دانت المجبرة (أي أهل السنة والأشاعرة) والمطرفية أقمأهم الله تعالى، أو بنفي أفعال الله عن الله وبهذا اختصت المطرفية، وأضافته إلى ما سبق مما اشتركت فيه هي والمجبرة! وما جانس هذا من التشبيه والقدر والإرجاء والإجبار، وما جرى مجرى ذلك!].
وقد وسع تكفيره ليشمل جميع المسلمين ما عدا أنصاره، وينقل د. علي محمد زيد في كتابه المتميز عن مأساة المطرفية (تيارات معتزلة اليمن في القرن السادس الهجري) حكماً له يقول فيه: [دار الكفر الأصلي هي التي يظهر فيها الكفر بغير ذمة ولا جوار، وهذا حكم دار المجبرة (أي السنة والأشاعرة)، والمطرفية، والمشبهة، والباطنية، والمرجئة.. لا يظهر عندهم دين الإسلام على الحقيقة إلا بذمة أو جوار، وكفرهم ظاهر(!) لا فرق بينها وبين دار الكفر الأصلي.. حتى يصل إلى توكيد: الادلة وتظاهرها على كفر الاكثر من الأمة بالبرهان الجلي.. فقد صح لنا كفر أكثر هذه الأمة..].. ص 190 من: تيارات معتزلة اليمن.
(2)
مواقف الإمام عبد الله بن حمزة من أهل السنة والأشاعرة في اليمن - ومنهم الجنوبيون بطبيعة الحال - موجودة باستفاضة في كتاب "الشافي" الذي حققه العلامة مجد الدين المؤيدي، والكتاب رد مسهب على رسالة للعلامة الشافعي الأشعري اليمني (عبد الرحمن بن منصور بن أبي القبائل) عنوانها: "الخارقة لأستار القدرية المارقة". وفي الكتاب يتقرر أن أهل السنة والأشاعرة عند عبد الله بن حمزة على النحو التالي:
- فهم مجوس هذه الأمة؛ لأن إيمان السنة والأشاعرة بالقضاء والقدر يجعلهم مثل المجوس حين يقولون: إن نكاح البنات والأمهات بقضاء الله وقدره!
- وهم خصوم الرحمن، شهود الزور، وجنود إبليس.
- وحالهم أسوأ من حال سائر الكفرة، وأسوأ من حال سائر أرباب الملل.
- وهو ينهى عن مجالسة أهل السنة الأشاعرة لأسباب منها أنهم يستهزئون بآيات الله(!) ويتخذونها هزوا ولعبا(!) ويسيئون الظن بالله. وكما هو واضح فإن هذه الأوصاف يخجل بعض الحوثيين في عصرنا ممن يقدسون الإمام عبد الله بن حمزة أن يطلقوها على اليهود والنصارى حرصاً على التسامح مع الآخر!
(3)
ما سبق من أحكام التكفير التي يوصم بها الإمام عبد الله بن حمزة أهل السنة والأشاعرة (الذين يسميهم المجبرة والمشبهة دائماً) لا يستند فيها إلاّ إلى منهج التكفير بالإلزام؛ أي تأويل كلام الخصم وتقويله ما لم يقلْ بناءً على استنتاجه هو وموقفه المسبق منه.. وهو في أثناء رده على رسالة ابن أبي القبائل يعتمد هذا الأسلوب بصورة مضحكة ومقرفة.. فهو يستعرض كلام العلامة الشافعي ويقرها لما يجد فيها من حق وعدل وتوحيد وإيمان.. لكن آفة التعصب المذهبي والتكفير بالإلزام تجعله يتأولها كما يريد شيطان هواه وتعصبه.. وعلى سبيل المثال: فعندما يتحدث العلامة الشافعي عن عقيدة الأشاعرة في توحيد الله وصفاته فيقول: "لا تقاس أفعاله على أفعال المخلوقين، كما لا يقاس ذاته على ذواتهم.. تقدس الله عن قول المشبّه وفريته..)، يقول عبد الله بن حمزة "إن أراد ما يتحمله ظاهر اللفظ فهو صحيح..."، ثم تبدأ آفة التأويل والتكفير بالإلزام حين يقول: "وإن أراد..." ثم يذهب ليقوّله معاني لم يقلها.
وحتى عندما أثنى العلامة الشافعي على آل البيت وصلى عليهم ممن "لم يخالف أباه، ولم يتبع هواه، ولم يعكف على ضلالته وبدعته"، لم يرد أن يجعل من ذلك وسيلة لإزالة أوهام كراهية آل البيت وبغضهم عند أهل السنة التي تمتلئ به أدبياتهم التحريضية؛ فتجده يمارس نفس الأسلوب "إن أراد من خصهم الله تعالى بكرامته وشريف ولادته وأخرجهم من سلالته فهو قول صحيح.. أما إن أراد سائر الأقارب وبني الأعمام الذين خالفوا منهاجه وعطلوا أحكامه وخالفوا أمره أو قتلوا ذريته واتخذوا دينهم لعباً ولهواً... الخ".
وعلى ذلك قس كثيراً من ردوده مما تخرج من مشكاة التكفير والتفسيق حتى يصل به الأمر إلى تشبيه أهل السنة والأشاعرة من أهل اليمن بأنهم مثل النصارى الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة.. بل يحكم أنهم أسوأ؛ إذ ينسب إليهم زوراً وكذباً أنهم طالما يثبتون لله قدم العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة، والكلام.. الخ فقد فاقوا النصارى؛ لأنهم جعلوا الله ثمانية وليس واحداً أحداً!
[4]
منهج تكفير أهل السنة واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم وسبي نسائهم وأطفالهم راسخة في عقيدة الإمام عبد الله بن حمزة (نجم الأئمة والإمام الأعظم لدى الحوثيين وقدوتهم).. وربما كان من حسن حظ معظم سكان اليمن من الأشاعرة أن بلادهم لم تقع تحت حكمه وإلا كان مصيرهم كمصير الأيوبيين الأشاعرة الشوافع في صنعاء والمطرفية الزيدية الذين أفتى الإمام بكفرهم، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، ونفذ ذلك فعلياً؛ لأن بطشه طالهم!
والأيوبيون هم إحدى القوى الإسلامية التي جاءت إلى اليمن أثناء دورات الصراع السياسي الداخلي بين الفرقاء اليمنيين أو التهديدات الأوربية للاستيلاء على أجزاء من اليمن.. والأيوبيون مسلمون سُنة أشاعرة من أتباع المذهب الشافعي، ويقال إن أحد الأشراف في اليمن هو الذي استدعاهم للحضور إلى اليمن.. وقد اشتبكوا كالمعتاد في حروب مع الزعماء القبليين والدينيين في مناسبات متعددة.. وكان عبد الله بن حمزة واحداً من هؤلاء، لكنه تفرد بتكفيرهم واستحلال سبي نسائهم وأطفالهم، كما حدث عندما سبى يحيي بن حمزة أخو الإمام عبدالله بن حمزة سبعمائة امرأة من نساء صنعاء والأيوبيين ووزّعهن على جنوده في قاع "طيسان" عام 612هـ، واختص الإمام عبدالله بن حمزة لنفسه امرأة تُركية أنجب منها ولده سليمان. وعندما احتج عليه بعض العلماء رد عليهم برسالته (الدرة اليتيمة في أحكام السبي والغنيمة).
وفي الحالتين: الأيوبية والمطرفية، كان مبرر تكفيرهم واستحلالهم أنهم مجبرة ومشبهة (الأيوبيون)، أو ألحقهم بالمجبرة والمشبهة (المطرفية)، مما يدل على رسوخ فكرة تكفير السنة لدى الإمام!
وبالنظر إلى ما أوردناه في الحلقات الماضية عن وقائع تكفير الحوثيين القدامى لأهل اليمن من غير مذهبهم فيتأكد أنها قاعدة لديهم وليست مجرد اجتهاد فردي نادر.
ويشير د. علي محمد زيد في كتابه المذكور إلى أن حكم جواز قتل المسلمين وسبي نسائهم وأطفالهم جاءت إلى اليمن مع ما وصل من تراث زيدية طبرستان التي أقدم أئمتهم على هذا الفعل المنكر، وأفتوا به، ونسب إليهم أنهم أفتوا بسقوط فرض الحج عن أتباعهم لمرورهم في الطريق إلى المشاعر المقدسة على بلاد المجبرة، ويرون نجاسة مأكولاتهم، ويحكمون بأنهم مشركون ويبيحون غزوهم، وقتل مقاتليهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، وبيعهم في الأسواق! ص 198.
[5]
وجنون التكفير لدى الإمام ابن حمزة طالت فرقة من أتباع الزيدية هم المطرفية، كانوا من أنصاره والمبايعين له، ومن أتباع الهادي، واشتهروا بحب العلم وخدمة الناس، لكنهم اختلفوا معه في مسائل علمية، ومع ذلك أفتى بقتلهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، وهدم مساجدهم ومنازلهم، وشردهم في كل مكان، وأفنى مؤلفاتهم عن بكرة أبيها (ما شاء الله والتسامح الفكري والمذهبي!) حتى لم يبقَ منها إلاّ مؤلف واحد فقط، وبرر استحقاقهم فعله هذا بهم على أنهم مثل السنة والأشاعرة أو المجبرة والمشبهة بتعبيره!
ولتبرير المذبحة الدموية واستحلال النساء المسلمات التي أقامها لهم؛ لا يزال الحوثيون في أيامنا هذه يدافعون عن مسلكه ذاك، ويتبارون في وصم المطرفية الزيدية بأشنع التّهم الكُفرية لتبرير قتلهم وسبي نسائهم، ومنهم من يجعلها نكتة ظريفة عندما يقول إن المطرفية كانوا يسبون الصحابة.. يعني من غيرة عبد الله بن حمزة على الصحابة أنه فعل كل تلك الأفاعيل المخزية!
ولقد بلغت الوحشية بالإمام عبد الله بن حمزة أن يفتي حتى بسبي النساء اللواتي كنّ يسكن في قرى الزيدية المطرفية المختلفين معه مع أنهن لسن على اعتقاد المطرفية، وعندما سُئل الإمام عبدالله بن حمزة عن حكم المرأة التي تسكن قراهم – أي المطرفية – وهي لا تعرف اعتقادهم هل يجوز سبيها؟ فأجاب: إن حكمها حكمهم؛ لأن الظاهر من حال تلك البلاد أنها لا تخالفهم، وإن خالفت واحدة فإنما يكون نادراً ولا حكم للنادر".