ثورة الشباب الشعبية السلمية كانت ثورة إنقاذ أكثر مما هي ثورة تغيير أو
تحرير كون الشعب اليمني يقف على حافة الهاوية، وبأمس الحاجة إلى ثورة
إنقاذ، لإنقاذ حياته التي أشرفت على الهلاك بعد أن وضعه النظام العائلي
في وضع إنساني متردي وسيئ للغاية، لا يمكن لشعب أن يقبله أو يستسلم له .
كانت لدى ثورة الشباب الشعبية السلمية 6 أهداف رئيسية قامت من أجلها
وتسعى إلى تحقيقها، وكان من بين تلك الأهداف : " بناء اقتصاد وطني قوي
يكفل حياة كريمة للمواطنين " وكأنني أول مرّة أسمع عن هذا الهدف بصفته
أحد أهداف الثورة الشعبية السلمية، لعدم وجود أي مساعي في سبيل تحقيقه
على أرض الواقع، وكغيره من أهداف الثورة الستة التي أغلبها لم يتحقق في
مجمله .
منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وتقاسم السلطة وتشكيل حكومة الوفاق
وانتخاب هادي رئيساً لليمن، ونحن لم نشهد أي تغيّر ملحوظ على حياة
المواطن اليمني في الحالتين الأمنية والمعيشية، بل وتضاعفت أعمال العنف
والتخريب التي يرعاها صالح وحلفاؤه من عصابات مدنية وعسكرية ومليشيات
مسلحة، تحالفت معه لإجهاض المرحلة الانتقالية وضرب اقتصاد البلد، وتقويض
أمنه واستقراره، فتفاقمت أعمال القتل والتخريب، وعمّت البلد فوضى عارمة
تسببت في خلق انفلات أمني في أغلب محافظات الجمهورية، كما تسببت في تكبيد
الحكومة خسائر فادحة في الأرواح البشرية والعتاد، والموارد الداعمة
للخزينة العامة للدولة من نفط وغاز وكهرباء، ونتج عن ذلك عجز مالي كبير
أثقل كاهل الحكومة .
انقضت عامين من عمر الانتقالية والوضع كل يوم للأسوأ، والتحديات أمام
الحكومة تزداد اتساعاً، وكل هذا نتاج للمؤامرة المحلية الإقليمية الدولية
المشتركة التي تنفذها أطراف سياسية في الداخل متمثلة في صالح والحوثي،
وتسندها قوى خارجية إقليمية ودولية، وتأيد أعمالها المعادية لثورة الشعب
وتدعمها بصمت، ولو لا التأييد الخارجي السرّي للمعرقلين في اليمن لما
تمادى صالح ومليشيات الحوثي في عدوانهم على الشعب اليمني وممتلكاته
العامة، ولما وقفت الحكومة عاجزة أمام أعمال العنف والتخريب المتكررة
لسنوات .
هناك مؤامرة كبرى ضد الشعب اليمني وثورته، ترعاها تلك الدول التي تزعم
دعمها للعملية السياسية في اليمن والانتقال السلمي للسلطة، وتزعم وقوفها
إلى جانب الشعب اليمني، وأعمالها على أرض الواقع تكذّب مزاعمها تلك، وقد
رأينا كيف وضعت تلك القوى الدولية شروطها على حكومة الوفاق، وقدّمت
مطالبها على مطالب الشعب، وزعمت بأنها تخدم الشعب وثورته وهي في حقيقة
الأمر تدمّر بلده واقتصاده، والمصيبة الكبرى أن حكومة الوفاق سخّرت كافة
طاقاتها ووقتها في تحقيق وتلبية تلك المطالب الدولية على أمل منها في
تجاوز العقبات التي أمامها، فتشتت خطاها على طول الطريق وعرضها وتبعثرت
هنا وهناك، وتاهت خطاها في دروب متفرقة، وفتحت مئات الأبواب لقضايا وهمية
أنهكتها وأبعدتها كل البعد عن مطالب شعبها التي جاءت من أجل العمل على
تحقيقها .
منذ أول أيامها إلى اليوم لم نشعر بأن الحكومة تعمل من أجلنا كشعب، أو
تعيرنا أي اهتمام، بل لم نجد أي عمل ملموس على أرض الواقع قامت به يلبّي
حقوق ومطالب الشعب، فالحالة المعيشية للشعب تزداد سوءاً يوماً بعد يوم،
والوضع الأمني متدهور إلى أبعد الحدود، فلم نسمع عنها يوماً بأنها ألقت
القبض على مخرب كهرباء أو مفجر أنابيب نفط، ولم نسمع عنها يوماً بأنها
أحبطت هجوم مسلح يستهدف منطقة عسكرية أو مركز أمني .
بينما نجدها تبذل كل قدراتها البشرية والمادية في سبيل تلبية ما تملي
عليها قوى الخارج التي تزعم وقوفها إلى جانب اليمن وتضع العقبات
والمعوقات أمام الحكومة بتخطيط منها وتمويل سري للغاية، وتطالب الحكومة
بتخطي تلك العقبات والمعوقات وتوهمها بوقوفها إلى جانبها ومساعدتها على
تخطيها، وهي من تضعها لإنهاكها واستنزاف قدراتها البشرية والمادية وإفشال
مساعيها .
والمصيبة الكبرى أن الحكومة تهرول وراء متاهات قوى الخارج المتآمرة،
وانشغلت عن مطالب شعبها وأهداف ثورته بالحروب والصراعات التي تصنعها تلك
القوى وتديرها، فلا استطاعت الحكومة الالتفات إلى مطالب الشعب وتلبية
حقوقه، ولا استطاعت السيطرة على الوضع وحسم المعركة .
ولا نعلم هل هو غباء أم تغابي من حكومة الوفاق الركض وراء سياسات قوى
الخارج التي زادت اليمن حروب وصراعات، ولم تحقق سياساتها أي استقرار أمني
أو اقتصادي للبلد غير ما زادته تدهوراً وانزلاقاً إلى المجهول، وللأسف أن
الحكومة كلما تدهور الأمن المتدهور، وانهار الاقتصاد المنهار، كلما ضاعفت
من جهودها وهرولت في اتباع ما تراه يتناسب مع مطالب القوى الخارجية
النافذة في اليمن .
وفي سبيل تأمين مصالح تلك القوى الخارجية تبذل حكومة اليمن كل جهدها في
حمايتها، في الوقت الذي فيه المواطن اليمني في صراع مع الموت ولا تلقي له
أي اهتمام يذكر، وكأن هذا لا يعنيها وليس من واجباتها، بل وقد تصنع الموت
لمواطنيها في سبيل حماية مصالح القوى الخارجية .
الشعب اليمني في صراع مع الموت ويواجه كارثة إنسانية لا تطاق، ناتجة عن
الفقر وتردي الأوضاع المعيشية وتدهوره، ولو كان شعب غربي أو شرقي يعاني
الحالة التي يعيشها الشعب اليمني لأعلنت حكومته ودول الشرق والغرب حالة
الطوارئ القصوى لإنقاذ حياة ذلك الشعب، ولما توانت في دعم اقتصاده
واستقرار معيشته، ولكن الشعب اليمني يموت بصمت، ويقف على حافّة الهاوية،
وحكومته تتغابى عن ذلك وتجهله، وتتحاشى ذكره ومناقشته، بل وتناقش مع
القوى الخارجية الأساليب التي ستشارك في قتله إضافة إلى الفقر والبطالة .
الشعب اليمني لا يبحث عن حياة الترف والبذخ كالتي تعيشها شعوب تلك القوى،
ولكنه في صراع مع الموت ويريد البقاء على قيد الحياة، ولكنهم لم يتركوا
مجالاً لمناقشة وضعه الإنساني المتردي، والتعاون على ما سيساعد على إنقاذ
حياته بدلاً من التعاون على ما يجهز عليه .
ولكن يا ترى متى ستتفرّغ دولتي لحماية شعبي ؟؟ لإنقاذ حياته وليس لحماية
مصالحة .. ألا يكفي تفرّغاً لمطالب الغرب وانشغالاً بحروبهم الاصطناعية
..؟؟؟ .