قرأت مقالة الشاب الموهوب " انس القاضي" التي نشرها في العدد الاسبوعي من صحيفة ا"الثوري " الصادر يوم امس الخميس 10/4/2014م بعنوان (المرأة بين تناقضات الواقع المادي وإشكالية النص القانوني ) وأردت ان أعقب على بعض ماورد فيها عن المرأة من باب التوضيح الذي اقتضاه الواجب منا هنا حيال قضية حساسة كهذه القضية التي تمس حياتنا ليكون الكاتب ومن بعده القراء الذين اطلعوا على مقالته وغيرهم على مقربة من الحقيقة كما نراها نحن وللقارئ بعد ذلك الخيرة والحكم عليها بحكمه العادل :
إذ قال الرفيق أنس القاضي في مستهلها " إن المرأة لاتستغل لكونها انثى بل تستغل لكونها الحلقة الاضعف في مجتمع بجنسية مستغل - طبقياً واقتصاياً،،
ولا اعلم كيف فرق وفصل بهذا القول بين الصفتين " الضعف والانوثة" في معناهما الواحد الذي تدلان عليه ،، لأن المرأة لو لم تكن انثى لما كانت ضعيفة ، اي انها ستكون ذكراً إن لم تكن انثى - إذن وبناء على هذه المقدمة المنطقية نستطيع الوصول بالاستدلال الى المسلمة التي تقول بأن المرأة اكتسبت ضعفها من انوثتها ومن هرمونات صفتها الجنسية ومركبها الفيسولوجي الذي يختلف عن هرمونات الهوية الجنسية التي اكسبت الرجل قوته الذكورية ومركباتها الفيسولوجية منها ،،
نعود مرة أخرى للاستشهاد بالمسلمة المنطقية التي تقول : لو لم تكن المرأة أنثى لكانت ذكراً والعكس صحيح ايضاً وهو قول يتسق تماماً مع مسلمة منطقية اخرى تأتي على نفس المساق والمدلول تقول "لو لم تكن المرأة ضعيفة لكانت قوية ولو كانت قوية بقوة الرجل لأصبحت رجلاً ولو اصبحت رجلاً لفقدت دورها الوظيفي والمعنوي والاجتماعي كانثى في المجتمع ، وإذا أحتفظت بهاذ الدور كانثى في المجتمع مع احتفاظها في الوقت نفسه بقوة تساوي قوة الرجل فإنها في هذه الحالة لن تعدوا ان تكون الجزء الناقص في الرجل أو المكمل له وبالتالي فإن علاقتها به ستصبح علاقة تنافس وصراع ندي ازلي لا ينتهي بينهما ،، على وحول مواقع السيادة والتسلط التي سيسعى اليها كل منهما لفرضها على الاخر وعلى كل شئ حتى وهم على فراش النوم ومضاجع الزواج وفي المطبخ ولن يجدي القانون هنا لحسم هذا التنافس الصراع المحتدم وإعادة التوازن بينهما الى مجراه الطبيعي وخصوصاً في البيت ،،وهذا يعني فيما يعنيه انه لابد على احدهما ان يكون ضعيفاً والاخر قوياً في هذه العلاقة طبقا لمقتضيات سنة الحياة وناموس الطبيعة ودستور السكون المعيشي والاجتماعي والاخلاقي الذي ينبغي ان يسود بينهما لتنظيم وتحقيق دورة التكامل في علاقة بعضهما ببعض،
وعلى هذا الاساس يمكننا أن نزعم ايضاً بأن المرأة لم تفقد حقوقها المكتسبة إلا حين فقدت حقوق فطرية طبيعية تميز بها الرجل عنها ،، وليس لأن الرجل انتزعها او سلبها منها كما تزعم ويزعم معها الكثير من الرجال ، بل انها فقدت حقوق طبيعية وفطرية لم يفقدها الرجل وميزه الله بها عنها لتبقى المرأة إمرأة بالنسبة للرجل ، والرجل رجلاً بالنسبة للمرأة ،،
ولو امتلكت المرأة قوة وعنفوان الرجل لما فقدت تلك الحقوق التي تدعي إفتراءً بان الرجل قد اخذها منها ولما استطاع الرجل في الوقت نفسه اخذها منها وهي تمتلك قوة تظاهي قوته وصفات تطابق صفاته ،،
وعلى هذا التأسيس وحده يمكننا ان نصدر حكماً يقضي بتبرئة ذمة الرجل من التهمه التي توجهها اليه المرأة بالسطو والسيطرة على حقوقها المكتسبة وضمها الى ملكيته الناقصة عنوة و ليس عنده اي حقوق مكتسبة او غير مكتسبة للمرأة لانها أصلاً لا تمتلك اي حقوق اخرى اكثر من تلك التي معها ،،،
ويبدوا لي ضمن ما بدى لي في مقالة القاضي إن ملكة التمييز بين المفاهيم والمصطلحات التي يتمتع بها ككاتب موهوب قد التبست عليه ولم يفرق في تناوله للموضوع بين الحريات الاجتماعية للمراة التي اراد ان يتحدث عنها وبين حقوقها المسلوبة التي تعرض بالحديث عنها وخلط بين الموضوعين على نحو جعله يضع تلك الحقوق التي تزعم المرأة بان الرجل قد سلبها منها عنوة في موضع الحريات التي تطالب بالحصول عليها منه وأنفرد بذكر الحقوق فقط في حين ان المقصود من حديثه كان هو الحريات ولكن دون أن يتطرق بالذكر فيه الى دور الدين بإعتباره هنا واحد من اهم العوامل التي ادت وساهمت بشكل كبير في إنحسار وتعويق هذه الحريات وإنكماشها امام المرأة العربية بالتظافر مع عوامل إجتماعية وثقافية وسياسية اخرى كثيرة تأتي قبل العامل الاقتصادي الذي اشار اليه الكاتب في مقالته هذه بإعتباره العامل الاهم إن لم يكن الوحيد الذي أدى الى ذلك حسب زعمه ,, حين ربط هامش الحريات الذي نالته المرأة في اوروبا بالثورة الصناعية التي تفجرت فيها وربط بين مشاركتها في العملية الانتاجية وبين تحررها من السلطة الابوية والقبلية التي كرستها عليها السيادة الاقطاعية الاحتكارية للثروة التي أتكئت على موروث ثقافي استغله الذكر لممارسة إستبداده السياسي و الاجتماعي عليها ، ثم يقول في مكان آخر ما معناه :أن ماتحتاجه المرأة هنا لتوسيع فضاء تحررها من التسلط الذكوري شئ مختلف عن القوانين او ليس له بالقوانين اي علاقة واكتفى بالاشارة الى نظام "الكوته" المرحلي لتأكيد هذه الحقيقة التي لم يذكر كيف استنتجها وكيف وصل اليها ،،معللاً ذلك بحاجتها الى مواطنة متساوية ككل افراد الشعب وتكافؤ إجتماعي يزيل الامتيازات التي يتمتع بها الذكر دونها على حد تعبيره ،، دون أن يستعرض لنا كيف يمكنه أن يقيم دولة للمواطنة المتساوية وتحقيق العدالة للمجتمع بين الطرفين مع نفي الحاجة للقانون ،،وأود هنا ان اطرح سؤال على "القاضي "يتعلق بالحقوق والحريات التي توفرت له كمواطن بهوية ذكورية ولم تتوفر للمرأة بهويتها الانثوية وماهي تلك الامتيازات التي يحظى بها الذكر في بلداننا العربية دون الانثى ويطالب بإزالتها عنه ليساويه بالمرأة ،، وماهو التكافؤ الاجتماعي الذي لم يتحقق بنظره حتى الان بين الرجل والمرأة ويدعوا لتحقيقه بينهما وكيف يمكن تحقيقه بينهما مع ان التكافؤ من اي نوع كان مع الناس ومع كل المخلوقات الاخرى يفرض فرض بينهما بقدر القوى والمقومات والطاقات والمزايا والاساليب والمعايير التي يمتكلها كل طرف منهما ،، أي ان التكافؤ يعني توازن وتعادل الطرفين في هذه العناصر وغيرها التي يمتلكها كل طرف منهما،،بحيث تمكنه من فرض نفسه على الاخر دون الحاجة للمساعدة من الاخرين ،، وهذا يعني ان المرأة لاتمتك من العناصر والمقومات والمزايا التي يمتلكها الرجل ما يؤهلها لفعل ذلك وفرض نفسها عليه في كل الميادين دون الحاجة للمساندة من الرجل ،،
لم يربط القاضي بين سقوط الامبراطورية الاقطاعية في اوروبا من ناحية وبين تحرر المرأة وأنصهارها في هذا المجتمع من ناحية ثانية كما كان يفترض مع أن هذا الربط لايعدوا ان يكون منطقياً لتفسير تحرر المرأة لأن الامر يتعلق هنا في حقيقته بأسباب وعوامل ومقدمات سقوط تلك الامبراطورية أكثر مما يتعلق بنتائجها "اي ان سقوط الامبراطرية الاقطاعية كانت واحدة من النتائج التي قادت اليها تلك الاسباب والعوامل الى جانب تحرر المرأة ولم تكن واحدة من تلك الاسباب والعوامل التي ادت الى تحرير المرأة ،، قد تكون الامبراطورية الاقطاعية فعلاً واحدة من العوامل والاسباب التي ساعدت على تقييد حرية المرأة ولكن لم يتم ذلك بمعزل عن نفس القيد الذي فرضته ايضاً على حرية الرجل في الوقت ذاته ،، وهذا يعني ان سقوط الامبراطورية الاقطاعية في اوروبا كان من العوامل التي تظافرت مع عوامل اخرى كثيرة لتفكيك القيود التي كانت تكبل المجتمع الاوربي ككل وليس المرأة فقط ،،
وفي مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية التي لم تتخلص بعد من أعباء ماضيها الثقافي المثقل بتركة إجتماعية واخلاقية كبيرة من مخلفات التجارب التاريخية والإرث السياسي المشبّع بالهزائم والحروب وحالات العزلة والانغلاق التي عاشتها الامة وتوارثتها عبر أجيالها المتعاقبة عصر بعد عصر ففي مجتمع شبيه بهذا لم يعد الرجل فيه بعد من رحلة االبحث الطويلة الشاقة التي كلفته الكثير من التضحيات عن حقوقه وحرياته الاجتماعية والثقافية والسياسية والمعيشية والمادية والتعليمية المسلوبة بل ان فيه من لا يزال على جهالة كاملة بتلك الحقوق و الحريات المصادرة والمغيبة عنه ،، فلايمكن للمرأة في مثل هذا المجتمع ان تطالب الرجل بحقوق وحريات لم يحصل هو عليها بعد او انه لايزال على جهالته بها حتى الان ,,
في الغرب نالت المرأة حرياتها بعد أن جرى فصل الدين عن الدولة وعزل الفقة عن السياسة وتم التفريق بين الكنيسة والبرلمان أو والقانون ولكن مع احتفاظ الرجل بمركز الصدارة والتقدم في كل مجالات الحياة بحكم تفوقه عليها كذكر مقابل إحتفاظها بضعفها امامه كأنثى،، وليس بفعل القوانين الوضعية ،،
وما نسعى للتنبيه إليه هنا على هذا المستوى هو أننا لا نعتبر ولا ينبغي بأي حال من الاحوال او حجة من الحجج ان نتخذ من وضع المرأة الغربية مثالاً لنا نحتذي به في دعوتنا لتحرير المرأة العربية واليمنية . ذلك لأن المرأة الغربية حتى إذا كانت وضعيتها قد أصبحت في درجة افضل مقارنة مع حال المرأة العربية أو حتى مستحسنة بالنسبة لأهلها فهي ليست كذلك بالنسبة إلينا و إلى محيطنا الاجتماعي وطبيعة الواقع الذي نعيش فيه وتبقى دائما ضعيفة وغريبة عن محيطنا وعن خصوصياتنا الاجتماعية والثقافية ولانعتقد ان التوجه الغربي هو الذي يمكن أن يشد انتباهنا في هذه المسألة بل نحن نرى ان وضعية المرأة في الغرب رغم ما حققته من مكاسب مادية حتى الان قد شذت عن جادة الاخلاق منذ امد بعيد و وقعت في سلبيات قيمية كثيرة حولتها إلى مجرد سلعة معروضة للبيع والشراء ومناقصات العرض والطلب في اسواق المتعة والشبق وأحالتها الى آلة إنتاجية لكسب ألثروة أكثر من الرجل و أفقدتها إلى حد بعيد خصوصيتها وقيمتها المعنوية والاسرية كأنثى وكضامنة للتواصل النوعي والتكامل الوظيفي والاخلاقي والغريزي بين الطرفين ،،
لا يوجد طرف أو كيان محايد او غير محايد ثالث غير المرأة والرجل ليقوم بمهمة التمييز والحكم بينهما في الصفات والفوارق الجوهرية والظاهرية للهوية الجنسية التي يتميز بها كل طرف منهما عن الاخر غير الله عز وجل وحده الذي خلقهما وأصدر حكمه السابق بحق الانثى على لسان أُم مريم حين اعترفت بتلك الفوارق الفطرية الدونية للذكر التي ميزه الله وحباه بها عنها من خلال قولها الذي ورد في أهم سورة قرانية حملت اسمها حيث قالت " إني وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى " وهو قول محمول على خطاب الشكوى الذي وجهته الى الخالق للتعبير عن موقفها المتذمر من النقيصة التي اصابت مولودها حين لم يكن ذكراً في خلقته ،، والملاحظ من سياق هذه الآية الكريمة إن أُم مريم لم تطلب من الله في شكواها هذه اليه مساواة مولودها الانثوي الذي تمخض عنها بالذكر "بل تمنت منه عوضاً عن ذلك لو انه خلق او جعل هذا المولود الانثوي ذكراً و وهذا يدل إن لم يدل على شئ آخر لا نعرفه على ان عملية " المساواة " هنا بالمفهوم البشري المتداول بيننا اليوم لا تختلف عن فحوى تلك الامنية التي أنطوت عليها شكواها الى ربها " لو أنه استبدل مولودها الانثوي هذا بمولود ذكر غيره وفقاً لحساباتها عن القدرة والمشيئة الالهية ومنزلتها لديه حيث لم تكن ام مريم إمرأة عادية او طبيعية مثل بقية النساء في عصرها ،، وقد حباها الله بمنزلة خاصة من بين خلقه ،،
لم تطلب من ربها مساواة مولودتها بالذكر رغم أن ذلك كان أقرب اليها من تحقيق تلك الامنية التي القت بها اليه وقد فعلت ذلك فور ولادتها وهذا يدل على ان الهوية الانثوية بفوارقها ونقائصها الطبيعة عن الذكر قد خلقت معها ،، لأن الامر كان سيختلف بالنسبة الينا لو ان هذه القصة حدثت في مرحلة متأخرة من عمر المولودة وتاريخ ولادتها ،،ولم تحدث وهي مازالت طفلة لم تحبوا بعد في مهدها ،،،