(1)
بيان حكومة الوفاق ضد محافظ إب أحمد عبدالله الحجري لم يكن بيانا بريئا، وإنما عبوة ناسفة تم تفجيرها عن بعد، وقد تطايرت شظاياها مخلفة عددا من الأضرار.
وتشير أصابع الاتهام بكتابته لثلاثة مسؤولين بسبب خبرتهم الإعلامية والسياسية، وهم: الناطق الرسمي باسم رئاسة الوزراء راجح بادي، وسكرتير رئيس الوزراء محمد النعيمي، والمستشار الإعلامي لرئيس الحكومة علي الصراري، وقد تواصلت صحيفة الناس مع الأول والثاني ونفيا نفيا قاطعا كتابتهما للبيان أو حتى معرفتهما بكاتبه، ولم يرد الثالث على اتصال الصحيفة، وقد يكون هناك آخرون غير معروفين وراء صياغة البيان، وبعيدا عن هذا وذاك فكاتب البيان رجل خطير أراد تفجير أزمة سياسية في هذا الوضع الحرج وتوريط رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة، ونصب فخ لرئيس الجمهورية!
أمام الرئيس هادي الآن خياران أحلاهما مر، أولهما إبقاء الحجري في منصبه وهذا سيزيد من الاحتقان في محافظة هامة بحجم إب وربما تنفجر في أي لحظة، ناهيك أن بقاء الحجري إهانة وصفعة قوية في وجه باسندوة الذي لن يسكت عن هذه الإساءة الرئاسية، وأي خلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء ينعكس سلبا على الوضع في اليمن وليس من المصلحة اتساع الفجوة بينهما، ولا نستبعد أن سفر باسندوة المفاجئ يوم الجمعة إلى دولة الإمارات نوع من الاحتجاج، وإن كان الخبر الرسمي يقول إنه سافر في زيارة خاصة لإجراء بعض الفحوصات الطبية!
والخيار الثاني هو إقالة الحجري فورا، وفي هذه الحالة سيثير غضب حزب المؤتمر وربما دفعه للتصعيد في أكثر من محافظة خصوصا إذا كان المحافظ البديل محسوب على خصومه السياسيين، والبلاد تمر في ظرف صعب ولم تعد تحتمل مزيدا من التوتر والأزمات السياسية.
وإقالة الحجري لن تكون حلا لمشاكل المحافظة المضطربة منذ فترة إلا إذا تم تعيين محافظ جديد يحظى باحترام كافة القوى السياسية ومشهود له بالكفاءة والنزاهة، وإذا تم اختيار محافظ أسوأ من الحجري فهذا سيحدث انتكاسة لأبناء إب وستكون عواقبه وخيمة على مستقبل هذه المحافظة الكبيرة، وهذا ما يجب أن تدركه القيادة السياسية.
(2)
قدم الحجري استقالته قبل شهور وكان يفترض أن الرئيس هادي يلتقط هذه الفرصة الذهبية للتخلص من رجالات سلفه ويرفع الكابوس الذي جثم طويلا على صدر محافظة إب، لكن هادي أضاع هذه الفرصة كعادته في إضاعة الفرص والبطء في اتخاذ القرارات الهامة حتى يفوت أوانها وتتحول إلى عبء!
وأبناء إب لهم دور كبير في الثورة الشبابية الشعبية، وكانوا يتوقعون تغييرا في محافظتهم يشعرهم بالأمل والتفاؤل ولو على مستوى الإدارات العامة في المحافظة خصوصا وأن المحافظة تعيش تدهورا غير مسبوق، ولم يكن المحافظ خصمهم الأول بالمناسبة حيث لا زال الكثيرون يحتفظون له بجميل أثناء الثورة عندما جنب المحافظة الدخول في مواجهة عسكرية ومنع الاعتداء على مظاهرات وساحات الثورة، وبعد أن يئس الثوار من قيام المحافظ بهذه الخطوة بدأوا بالتصعيد والمطالبة بتغييره، والتقاهم الرئيس ووعدهم بإزاحة الحجري وهدأت الأمور نوعا ما ومضت شهور على وعده ولم يحدث شيء وهنا المصيبة.
وخلال هذه الفترة عمد الحجري إلى استفزاز قوى الثورة عبر سلسلة من القرارات، ووصل به الصلف حد تعيين الشيخ جبران الباشا وكيلا للمحافظة للشؤون المالية والإدارية بالمخالفة لقانون السلطة المحلية كون الباشا عضو محلي، والإعلان أن تعيينه جاء من حصة شباب الثورة!
جاءت التعيينات الأخيرة في عدد من المديريات لتصب النار على الزيت حيث قام الثوار بالتصعيد وشكلوا وفدا لمقابلة رئيس الوزراء، والتقاهم الأخير لسماع شكواهم ومعرفة مطالبهم بصفته مسؤولا وباعتبارهم مواطنين لهم مطالبهم المشروعة ولا بد من السماع لهم مهما كان انتماؤهم السياسي، وهذا اللقاء أثار حنق الحجري وشعر بالخطر على موقعه فاعتبره إهانة للدولة وشرعنة للتمرد وتذكر أنه لا يزال المحافظ وهذا شيء إيجابي، وبتحريض من بقايا النظام نفض الفراش بصنعاء وسافر إلى إب مسرعا وحشد أنصاره وألقى فيهم كلمة، ولأنه لم يشبع نوم جاءت كلمته غير موزونة ووصف باسندوة برئيس حكومة النفاق والشقاق والفساد، ولو كان ذكيا لكتب استقالته وأورد فيها كل ملاحظاته حول لقاء باسندوة ونشرها في الإعلام، وخرج بشرف بل كبطل.
كان يفترض أن تقابل الحكومة كلامه بقرار يقيله فورا كونها صاحبة السلطة ومطلوب منها اتخاذ قرارات وليس إصدار بيانات، وإذا كان ولا بد من بيان فليكن بيانا من سطرين يعيب على هذا المحافظ هذه الألفاظ الغير لائقة تجاه مسؤول أرفع منه مما لا تليق برجالات الدولة وترشح محافظا بديلا له بكل هدوء، لكنها ذهبت بعيدا وحشرت عشرات الأوصاف والتهم وفتحت بابا لحزب المؤتمر للتصعيد ضدها وردود الأفعال بل إن البيان نفسه أساء لها عندما وصفته بالفاسد وهي المسؤولة عنه، فلماذا سكتت عن فساده وتقصيره طوال هذه المدة ولم تحاكمه أو تقيله، أليست هذا إدانة للحكومة؟!
(3)
الأوصاف التي وردت في بيان الحكومة عن الحجري معظمها صحيحة ولا تحتاج إلى دليل كوصفه بالفاشل والفاسد والمهمل والمقصر ومصاب بالتخمة وغير جدير بالمنصب، ومعروف عن الحجري أنه كثير النوم والغريب أن هذا الوصف سقط سهوا من بيان الحكومة الشهير!
وأما وصف الحكومة له بالشاذ وصاحب سلوكيات غير أخلاقية فهذه أمور لا يعلمها إلا الله، إلا إذا كانت الحكومة لديها ما يثبت ذلك من خلال أجهزة الاستخبارات فهذا شيء آخر!
(4)
الحجري ساكن في صنعاء وينام النهار، والمحافظة تغلي ومن حقها نتيجة التدهور الذي تشهده في ظل إدارة الحجري، وللأسف القيادة السياسية تتفرج وغير عابئة بخطورة خروج محافظة بحجم وكثافة وأهمية إب عن سلطات الدولة، وما الأخبار عن تحركات تنظيم القاعدة في بعض مديريات المحافظة عنا ببعيد.
(5)
في أول تعليق للحجري على بيان الحكومة قال إنه يتحمل مسؤولية كلامه، ويطالب باسندوة بتحمل مسؤولية البيان ويكون الرئيس هادي حكما بينهم.. بعد أيش يا قاضي؟!