انتصار ساحق لجماعة الحوثي وسيطرة كاملة لمليشياته على منطقة الصراع؛ هذا ما اعتاد سماعه الشعب اليمني فور انتهاء كل هدنة كانت بين مليشيا الحوثي وأهل الأرض، بعد أحداث نتج عنها هزيمة لمسلحي الحوثي .
وكما اعتادت اغلب مناطق اليمن التي شهدت مواجهات مع مسلحي الحوثي وسيطرة للجماعة التي تبدأ بالحرب، وعندما تتمكن من السيطرة لا نسمع عن أي مساعي رسمية لحماية المواطنين، أو حتى وساطة رئاسية تسعى للصلح أو وضع هدنة بين الطرفين، وبكل سهولة تُحسم المعركة لصالح الحوثي في ظل صمت رسمي وتكتم إعلامي مطبق وكأن شيء لم يكن .
ولكن عندما تخفق مليشيا الحوثي في السيطرة على منطقة ما، سرعان ما تتحرّك المساعي الرسمية، ليس لحماية المنطقة من عدوان الحوثي أو للدفاع عن أهلها، ولكن لحماية مليشيات الحوثي من غضب أهل الأرض، ولتوفير المخرج الآمن لهم، ومنحهم الوقت الكافي لترتيب صفوفهم وحشد القوة الكافية للسيطرة على المنطقة؛ وسرعان ما ترضخ جماعة الحوثي للهدنة وترّحب بها، وما أن تقترب من نهايتها حتى تكون مليشيات الحوثي قد انتهت من تجهيز قوة عسكرية كفيلة بالسيطرة على المنطقة وإخراجها عن الجمهورية اليمنية وضمها إلى جمهورية إيران كحال صعدة .
خلال فترة الهدنة ومن أول ساعاتها تبدأ جماعة الحوثي بالعمل على ترتيب صفوف مقاتليها وتجميع أسلحتها، وإعداد العدة اللازمة والكافية لكسب المعركة، وتكثف من جهودها في سبيل ذلك وتجعل من الهدنة استراحة محارب، أما الجانب الرسمي ( الدولة ) الراعي الرسمي للهدنة ما أن يتفق عليها الطرفين حتى تغلق ملف القضية وكأنها أنهتها وحسمتها، وتغط في نوم عميق، ولا تصحو إلا على خبر سيطرة مليشيات الحوثي على تلك المنطقة، وطرد قواتها الأمنية والعسكرية منها وإخراجها عن سيطرتها .
أما أهل المنطقة فيقضون ساعات وأيام الهدنة في الانتظار، على ثقة منهم أن الجانب الرسمي وضع الهدنة لحمايتهم وللدفاع عنهم، ويعتقدون أن الجانب الرسمي خلال فترة الهدنة يبذل كل طاقاته وقدراته في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار لهم وصد عدوان الحوثي عنهم؛ ولكن يفاجئون بهجوم مباغت من مليشيا الحوثي أعنف من سابقه في غياب تام للجانب الرسمي الذي ركنوا إليه ولم يعدّوا العدة للدفاع عن أرضهم .
هكذا أصبحت الهدنة التي تضعها اللجنة الرئاسية بين مليشيا الحوثي وأهل الأرض بمثابة تأييد للحوثي لاستعادة قواه لتمكينه من السيطرة، وخذلان لأهل الأرض الذين إن كانت الغلبة لهم فرضت الدولة هدنتها، وإن كانت عليهم رفضها الحوثي ولم يقبل بها، وتنسحب الدولة من الوسط بكل سهولة بحجة رفض أحد الأطراف للهدنة دون خجل أو تذمّر وكأن الأمر لا يعنيها .
وهذا السيناريو تكرر في أكثر من جبهة حرب فتحتها جماعة الحوثي، فما أن تضع الدولة هدنة إلا وكان الحدث الذي يليها سيطرة لمليشيات الحوثي، وهذا ما حصل في كلاً من دماج وخمر وكتاف وهمدان ويحصل حالياً على مشارف مدينة عمران، وقد يتكرر في المدينة نفسها إذا ظلّت الدولة تتعامل بهذا الأسلوب التفريطي في سيادة الدولة التمكيني لمليشيات الحوثي العدوانية الخارجة عن النظام والقانون .