يريدون اليوم أن يعبئوا المنطقة العربية باتجاه عكسي لهدفهم القديم.
في السبعينات عبئوها لاجتثاث اليساريين؛ خدمة لهدفهم "هيمنة أمريكا وحلفائها ممالك النفط في السعودية والخليج".
واليوم يريدون تعبئة المنطقة العربية لاجتثاث الإخوان المسلمين، خدمة لأهدافهم: هيمنة أمريكا وتأمين حلفائها ممالك النفط في السعودية والخليج.
وفي كلا الحالين مصالحهم هي المتن، ومصالح الشعوب العربية هي الهامش وهي من يدفع الثمن.
في عام ?? من القرن الماضي اجتمعت مخابرات الدول الخمس: أمريكا، بريطانيا، السعودية، الأردن، باكستان، وحددوا استراتيجية مواجهتهم للعدو المشترك (الاتحاد السوفيتي) بالاستفادة من بحيرتي المنطقة: بحيرة النفط، وبحيرة الدين اللذين لا بد من استخدامهما؛ النفط للتمويل، والدين لرعاية ونمو الجماعات الاسلامية والسلفية وثقافتها بهدف تمويه المعركة باسم الإلحاد ومحاولة الشيوعيين.
وانطلاقاً من هذه الأجندة الاستخباراتية وما قبلها كانت قد جرت عمليات محاربة واستئصال واجتثاث الأحزاب والتيارات اليسارية بكل الوسائل.
والآن يحشدون لاجتثاث الأحزاب السياسية التي تبلورت من جماعات الإخوان المسلمين باعتبارها خطراً سياسياً على استقرار أنظمة الخليج.
مصلحة الشعوب العربية تتحقق بترشيد أحزاب الاسلام السياسي، وإنجاز بناء الدولة وآليات الديمقراطية لضمان امتثال أي تيار سياسي تفرزه الانتخابات لثوابت الدولة وعدم الاستحواذ عليها والانفراد بالسلطة.
مصلحة الشعوب العربية تكمن بتفريغ مخاطر الإسلام السياسي عبر إدماجه في الحياة السياسية؛ والبدء بعملية تنوير فكرية وثقافية لتجريف إرث الوهابية السلفي المتخلف ثقافياً وفكرياً، وليس باجتثاث الأحزاب والتيارات السياسية التي راكمت تجربة سياسية وقبلت بالديمقراطية.
المحور الإقليمي الجديد/ القديم الذي أغرقنا بطباعة الكتب السلفية الوهابية وإرث الفقه التقليدي المتراكم لم ولن يطبع كتاباً واحداً لمفكر تنويري مثل نصر حامد أبو زيد أو محمد عابد الجابري، أو حسين مروة، أو مصطفى حجازي؛ أو إدوارد سعيد، أو رواية لعبد الرحمن منيف أو كتب فراس السواح، وإجمالاً لن يكون مع أي حركات أو تيارات سياسية أو فكرية تسعى للتغيير الحقيقي ونشر الثقافة والمعرفة.
لن يكونوا مع الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق المواطنين في التعبير والاعتقاد والانتخاب والاختيار والتفكير؛ بل مع تأييد مصادرة الشعوب وتغييبها؛ وتأبيد هيمنتهم وتخلفهم على المنطقة العربية باعتبارهما قضاءً وقدراً أبديين!