تنتابني مشاعر منقسمة مثل الشارع المصري تماماً إزاء ما يحدث في أم الدنيا.
الأمر يبدو لي مثل ضحية تحمل سكيناً على الدوام لم تستخدمه بعد ولكنها تتحول في كل مرة إلى قاتل بفعل الصورة النمطية التي حملتها على ظهرها كحدبة قديمة لم تستطع التخلص منها.
هكذا بدا الإخوان المسلمون حيث وجدوا أنفسهم فجأة ينتقلون من «الزنازين» إلى «العروش»، محملين بأعباء صور نمطية طاردتهم منذ ما يقارب القرن.
لقد قطع الإخوان من خلال الرئيس «مرسي» مسافة زمنية وسياسية هائلة تتجاوز بكثير المسافة التي قطعها مرسي وقيادة الإخوان من سجن «وادي النطرون» إلى قصر «الاتحادية».. ليجد نفسه وحيداً في مواجهة عاصفة مع الدولة المصرية العميقة ممثلة بخصوم قدماء لا تجمعه بهم أي قواسم ثقافية أو فكرية، وهو الأمر الذي حدث في مواجهاته السياسية والإعلامية مع مؤسسات القضاء والإعلام والجيش التي تحولت بفعل التكريس التاريخي في مصر إلى ثلاثة أهرامات موازية لأهرامات الجيزة من حيث جمودها وسلطتها الروحية والسياسية واستعصائها على التحول والترويض.
لقد ساهمت التركة الهائلة من الصراعات الأيديولوجية بين حلفاء ثورة 25 يناير في القفز بهذا المنجز نحو أفق مجهول من الصراعات التي قد تأخذ مصر بعيداً عن الحلم بالخبز والحرية والعدالة اجتماعية نحو مشروع يبدو كحلقة متواصلة من حلقات تدمير المجتمعات العربية من داخلها من خلال استحضار خلافات ظلت لعقود مدفونة تحت رماد الديكتاتوريات.
وفي حين يتحدث البعض عن احتمال تكرار التجربة التركية بل وحتى الفنزويلية في المشهد المصري اليوم.. تتجلى التجربة الجزائرية الدامية والتي تعد الأكثر قرباً حتى الآن في الصراع بين ثوار وثوار فقدوا الثقة ببعضهم وقفزوا من خندق واحد باتجاه خنادق متقابلة من الكراهية والأحقاد السياسية والفكرية، في ظل حضور طرف ثالث هو الجيش المصري الذي وجد نفسه مسؤولاً عن حماية الوطن.. ليخوض صراعه هو الآخر فاقداً الثقة بوطنية كل الأطراف السياسية وإن استعان ببعضها للاستقواء على بعض من خلال تحريك الشارع الذي يظن أنه مع إسقاط كل رئيس ربما يحالفه الحظ بمستقبل أفضل.
وعلى الرغم من منطقية بعض ما يطرح من مخاوف متراكمة من الإخوان وحوالي ثمانية عقود من التحريض السياسي والثقافي والإعلامي بحقهم، إلا أنه في نهاية المطاف لم تتح لهم الفرصة لتقديم مشروعهم في ظل هذه الأمواج المتلاطمة من الصراعات والمصالح الإقليمية والدولية التي وجدت في الربيع العربي فرصة لفرض واقع جديد من التحالفات في سياق استعادة أدوار قديمة في واقع جديد.
وأخشى أن ينتهي إنهاك الشارع المنهك أصلاً بالارتماء في أحضان حالة من اليأس الثوري، وهي اللحظة التي عادة ما يتم استثمارها بشكل مرعب من قبل تجار السياسة وسماسرتها.