لا شك ان تحديد طبيعة العدو الذي نواجه هو احد اهم عوامل الانتصار عليه , اذ انه في ضوء فهم وتحديد طبيعته يمكن وضع الخطوات السليمة والناجعة للمواجهة ووصول الى القضاء عليه . بينما تكون المواجهة دون هذا الفهم والتحديد غير ناجعة , بل انها في احيان معينه تصب في صالحة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة .
تقف بشموخ و بإصرار وببسالة قواتنا المسلحة هذه الايام في مواجهة غير مسبوقة مع ما يعرف بـ ( تنظيم ) القاعدة , وهم مجموعة من عناصر القتل والاجرام التي تعيث في البلد فسادا بالقتل والتفجير والاغتيال والاختطاف والتزوير والشحن الطائفي والمذهبي , وكل هذا لم تعرفه البلد قبل دخول هذه الآفة اليه .
جهود قواتنا المسلحة الباسلة مشكورة ومن حقها الاكبار , ولكن هذه الجهود لو حدها لن تكون كفيلة بالقضاء على القاعدة وباجتثاث الارهاب من البلد , والسبب في ذلك هو ان فهمنا وتحديدنا لطبيعة هذا العدو لازال قاصرا , وهو الامر الذي يترتب عليه محدودية اثر الاساليب التي نتبعها في مواجهته .
القاعدة ليس لها كيان محدد وثابت وليس لها هدف تصب اعمالها في صالح تحقيقه وليس لها استقلالية في اتخاذ القرار والتحرك , وبالتالي فليس للقاعدة شخصية اعتبارية يمكن معها اعتبارها " تنظيما " . وكل السمات التي تتسم بها القاعدة هي سمات " الظواهر " , وهذا الامر هو ما يجب اخذه في الاعتبار عند تصميم خطوات مواجهتها حتى تكون تلك الخطوات ذات اثر وكفيلة بالقضاء عليها .
عندما ننطلق من فهمنا للقاعدة على اعتبار انها " تنظيم " فأننا نصمم خطواتنا في مواجهتها بالاقتصار على مفهوم الامن العسكري و بالتالي لا يمكن القضاء عليها وان تم الحد من فاعليتها لفتره , ولكننا عندما ننطلق من كونها " ظاهرة " فأننا نصمم خطوات مواجهتها انطلاقا من مفهوم الامن الشامل و لا نقف عند الملاحقة الامنية والعسكرية لعناصرها وانما ننطلق لتجفيف المنابع التي تفرّخ لها عناصر جديدة بشكل مستمر كلما تم القضاء على العناصر المتوفرة لها حاليا .
مواجهة ظاهرة القاعدة تتطلب منا تصميم منظومة مواجهة واسعة تضم الملاحقة الامنية والعسكرية التي يجب ان تأخذ طابع الاستمرار والتواصل حتى القضاء عليها , كما تشمل ايضا : ضبط اساليب المدخلات الذهنية للمجتمع بمراجعة المناهج التعليمية والتوعوية المختلفة , وتسوية اوضاع المؤسسات التعليمية وفقا للقانون والنظام دون استثناء , و ترشيد الخطاب الديني في المساجد وفي غيرها , و ضبط الاداء الاعلامي للالتزام بالدور البناء عند التعاطي مع هذه الظاهرة .
كما يجب ان تشمل المواجهة الحقيقية مع الفساد ما يترتب عليه معالجة الجانب الاقتصادي الصعب في البلد وتحسين مستوى الدخول وتساوي الفرص في المجتمع بالشكل الذي لايمكن معه تجنيد عناصر للقتل والاجرام بالاستفادة من الحاجة والفقر و من خالو الاحباط والشعور بالظلم في المجتمع وخصوصا بين شريحة الشباب .
كما يجب ان تشمل انتهاج آلية توعوية تعمل على تعزيز قيم التعايش ونبذ العنف والتطرف و تفعيل منظومة القيم المختلفة , وكذلك الالتزام بالنظام والقانون لتبادل التأثيرات بين افراد المجتمع . كما يجب ان تشمل شغل المجتمع بالأنشطة المجتمعية المختلفة الرياضية والثقافية والابداعية والمهنية والمعرفية والتعلمية والسياحية وغيره.
كما لا يجب ان تغفل هذه المنظومة وضع الضوابط الصارمة التي تكفل عدم الاستثمار السياسي لهذه الافة و لضمان اتخاذ موقف العداء الكامل تجاهها كشرط للعمل وللوجود لكل الكيانات السياسية بلا استثناء .
ظاهرة القاعدة ظاهرة خطيرة , ومالم يتم مواجهتها بحقها من الجدية فقد تذهب بحياتنا وببلدنا الى الجحيم , ولنا فيما نشاهده في العراق وفي سوريا عظة وعبرة , وواجب الجميع دولة وحكومة ومجتمع تقديم كل العون والاسناد المطلوب في سبيل انجاح مواجهتها ووفق مفهوم الامن الشامل حتى ننجوا ببلدنا وبمجتمعنا .