بعد إعلان قرار مجلس الأمن باتخاذ عقوبات ضد المعرقلين للعملية السياسية في اليمن ونزع سلاح الجماعات المسلّحة .. بالنسبة لنا نحن اليمنيين كشعب صدّقنا واستبشرنا بهذا القرار المنصف للشعب اليمني .. لكن الحوثي لديه خبر مسبق بأن هذا القرار الدولي ليس إلا غطاء لتمرير مشروعه الاستيطاني المسلح .
ففي الوقت الذي كنّا ننتظر من جماعة الحوثي تسليم أسلحتها استجابة للقرار الذي فرضه المجتمع الدولي، وبعد إعلانه بأيام فاجأتنا بغزو همدان والسيطرة عليها، وتفجير مساجدها ومدارسها وبيوت أهلها وتهجيرهم منها .
وقبل أسبوع سمعنا عن لجنة رئاسية وصلت صعدة للتفاوض مع الحوثي لتسليم السلاح ... إذن انتظروا سقوط عمران ..!! .
نستغرب عندما نرى الدولة تخوض حروب شرسة لفرض هيبتها في الصحاري والجبال في أقصى الجنوب، ولا تلقي أي اهتمام لخطر محدق بالعاصمة ويجوب شوارعها، ففي الوقت الذي تقاتل الدولة في أبين وشبوة وغيرها لتحقيق الأمن والاستقرار في الصحراء لا تزال العاصمة تشهد الاغتيالات والأعمال الإرهابية وانتشار المسلحين، وفي الوقت ذاته جماعة الحوثي المسلحة تحشد مقاتليها في عمران وصنعاء، وتعد العدة للسيطرة على عمران وإسقاط صنعاء .
كل يمني مواطن أو مسئول مدني أو عسكري حتى الرئيس هادي جميعهم يؤمنون إيماناً جازم بأن جماعة الحوثي جماعة إرهابية متطرّفة تهدّد اليمن وتشكّل خطر كبير على مستقبله، ولكن لا نجد مسئول يمني يتحدث عن هذا بشكل علني، ليس خوفاً من مليشيا الحوثي ولكن نزولاً عند رغبة المجتمع الدولي الذي يتحدث عن الوقوف إلى جانب اليمن ومعاقبة المعرقلين وأعماله على أرض الواقع تبرهن غير ذلك .
بلا شك أن جماعة الحوثي المسلحة جماعة إرهابية مارست وتمارس أبشع صور الإرهاب بحق الشعب اليمني وقواته المسلحة العسكرية والأمنية، ولكنها تمتلك غطاء دولي واقي يمرر لها جرائمها ويوفر لها المزيد من الوقت لتنفيذ مشروعها الدموي التدميري .
نحن اليوم لا نطالب الدولة باستعادة صعدة وما جاورها من المناطق التي أخرجها الحوثي عن نطاق الجمهورية اليمنية، بل نطالبها بوقف التوسع الحوثي والتصدي لأنشطته الاستيطانية وأعماله العسكرية المكثفة في عمران وصنعاء ومحافظات أخرى، والتي تشير إلى نيّته في توسيع نفوذ سيطرته .
نحن اليوم لا نريد من الدولة استعادة صعدة كما استعادة أبين ولم تتوانى في استعادتها، بل نريد منها الدفاع عن محافظات أخرى على وشك السقوط بيد مليشيات الحوثي بما فيها العاصمة، كما أننا لا نريد منها ملاحقة مسلحي الحوثي في الجبال والصحاري بعمليات عسكرية نوعية بطائرات بدون طيار أمريكية وبتعاون عسكري أمريكي، بل نريد منها منع مسلحي الحوثي من دخول العاصمة صنعاء وتجولهم في شوارعها وتمترسهم في أحيائها .. لا أقول في جبالها ومزارعها، بل في شوارعها وأحيائها .
صعدة التي لا زالت ترزح تحت وطأة مليشيا الحوثي وقبضتها الحديدية هي محافظة يمنية، وواجب على الدولة فرض سيادتها فيها وإثبات وجودها بها، مثلها مثل محافظة أبين التي استعادتها وفرضت سيادتها فيها .
أبناء صعدة وعمران وحجة هم مواطنون يمنيون وواجب على الدولة حمايتهم والدفاع عن حياتهم وكرامتهم، والقتال من أجل أمنهم واستقرارهم مثلهم كمثل أبناء المحافظات الأخرى .
بلا شك أن القاعدة أخرجت أبين في فترة من الفترات عن سيادة الدولة، كما أخرجت مليشيا الحوثي صعدة عن سيادة الدولة ولا تزال، وتخرج غيرها، وبلا شك أن جماعة الحوثي قامت بتهجير مئات الأسر اليمنية من صعدة وغيرها ولا زالت تلك الأسر تحلم بحق العودة حتى اللحظة، كما تسببت الحرب على القاعدة في تهجير مئات الأسر من أبين .
واجب ديني وشرعي يوجب على الدولة اللالتفات إلى المهجّرين من أبناء اليمن من صعدة وغيرها وتلبية حقوقهم وإعادتهم إلى بيوتهم وحمايتهم فيها والدفاع عنهم، وإعادة بناء مساكنهم وتعويض الأضرار، وتوفير كل احتياجات المواطنة الآمنة المستقرة .
الذين هجّرتهم الحرب من أبين هم ذاتهم الذين هجرتهم مليشيا الحوثي من صعدة وغيرها مواطنون يمنيون، والجنود الذين قُتلوا في صعدة هم ذاتهم الذين قُتلوا في عدة محافظات يمنية أخرى وهم من أبناء اليمن .
الذي لا يختلف على اثنان هو أن جماعة الحوثي جماعة مسلحة كحال تنظيم القاعدة في اليمن، وتعتمد في الوصول إلى حكم اليمن عن طريق المشروع المسلح، ولكنها لا تعلن ذلك كحال القاعدة، بل تشارك في المشاريع السلمية للوصول إلى السلطة، كالشراكة الوطنية والانتخابات التداول السلمي للسلطة، ولكنها تخوض غمار هذه المشاريع السلمية لصرف الأنظار عن مشروعها الاستيطاني المسلح .
كم نتمنى أن نرى الدولة تتفرغ للقيام بواجبها تجاه مواطنيها، وكم نتمنى أن تستعيد كافة أراضيها وتفرض وجودها في الشمال والجنوب، وتسخّر كافة قدراتها الأمنية والعسكرية في خدمة مواطنيها وحمايتهم، وتوفير الأمن والاستقرار لهم بالقضاء على أعمال العنف والتخريب التي تطالهم وتطال مصالحهم، وكم نتمنى أن تحقن الدماء اليمنية مدنية وعسكرية .