قريباً سنتوقف معاً أمام الذكرى الثالثة والثلاثين للوحدة اليمنية التي أفقدناها معناها ومغزاها جرّاء تغوّل الظلام والظلاميين.
وأتذكر في هذه المناسبة تلك الاستشارة الواهية التي جاءتني وآخرين من قبل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وذلك قُبيل وصول وفد الشطر الشمالي إلى عدن برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأذكر جيداً ما سطّرته والراحل الأستاذ عبدالواسع قاسم، رئيس تحرير مجلة «قضايا العصر» وكيف أننا افترضنا بالمنطقين العقلي والتاريخي أن صيغة الوحدة القادمة ستكون إما اتحادية فيدرالية أو اتحادية كونفدرالية؛ لكنني شخصياً اعتبرت أن الوحدة المحتملة ستكون حتماً بين عصبيتين قابضتين على مقدّرات الشطرين، وهما من أذاقتا الشمال والجنوب الأمرّين، وأنهما ليستا مؤهلتين للتصدّي لهذا المشروع الوطني الكبير.
أقول هذا الكلام الذي نشر حينها في مجلة «قضايا العصر» التي كانت يومها بمثابة لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني في البعد النظري الأيديولوجي؛ لكنني كنت أرى نفسي مغرّداً خارج السرب، حتى وصلت إلى صنعاء مع كوكبة من رفاق العمل الوحدوي على درب تأسيس الوزارات، وتيقَّنت يومها أن ترويكا الشطر الشمالي المختصرة في ذات الرئيس القائد الأوحد كانت تخطّط لما يستلب الوحدة لبّها وجوهرها، لأن الوحدة في مفهوم هؤلاء لم تتجاوز ثقافة «المغنم والشطب على الشريك المشاكس» وهذا ما حدث بُعيد الاطمئنان على شرعنة الدستور وتشكيل الوزارات التناصفية، وانتظام البرلمان.
لقد بدأت متوالية الاستباحة لمعنى الوحدة منذ ذلك اليوم البعيد، وتوّجت تلك المتوالية الجهنمية بحرب 1994م التي كشفت ورقة التوت التي طالما تستّر بها نظام الاوليغاركيا العسكرية القبائلية المتخلّف.
حقاً لم نكن بقامة الوحدة ومعناها، وها نحن اليوم نبحث عن مخرج مشرف لهذا المعنى، ساعين بكل الجهد إلى الحفاظ على اليمن الواحد، ولو تحت مظلة نظامين أو أكثر، كما قلت وأُكرر تباعاً.
[email protected]