على الرغم من صغر المساحة التي تشغلها على الخارطة ، إلا أنها تلعب دوراً لا يختلف من ناحية التأثير كثيراً عن الدور الذي تلعبه المملكة السعودية في الوطن العربي .
كما أن لها الدور الأبرز في إحداث التغيير الذي شهدته دول الربيع العربي العامين الماضيين ، حتى أن لها الدور البارز في الحدث الأخير الذي شهدته مصر .
دولة قطر الصغيرة التي لطالما وقفت إلى جانب ثورات الشعوب ، وإلى جانب التيارات الإسلامية ، هاهي اليوم تسبب في إنجاح الانقلاب الذي شهدته مصر مؤخراً ، وربما يعود السبب في ذلك إلى الانقلاب الأبيض الذي تعرض له نظامها الحاكم ما أسفر عن عكس المعادلة.
ليس النظام الانقلابي في قطر هو من يقف وراء الانقلاب الأسود في مصر ، ولكن هو من سمح بذلك بعد أن كان النظام القطري السابق يتصدى لكل محاولات الانقلاب التي حيكت للإطاحة بنظام الرئيس المنتخب محمد مرسي منذ توليه منصب الرئيس .
كانت وسائل إعلام تحدثت عما حدث في قطر ووصفته امتداد للربيع العربي ، كما تحدثت عن شخص تميم الذي شغل منصب والده ووصفته بالميول إلى جماعة الإخوان المسلمين ..!! وقد باركت تيارات إسلامية وثورية الأحداث التي طرأت على النظام القطري ، وبعثت قيادات أحزاب اسلامية ورموز ثورية برقيات التهاني والمباركة للأمير الجديد ، مستبشرة بقدوم ثوري وثمرة من ثمار الربيع العربي بإحدى دول الخليج..!! .
وجاءت النتائج خلاف ما قيل وأشيع عن النظام الوليد والأمير الشاب ، ليصاب كل ثائر بإعياء وخيبة أمل ، ويأسف على رحيل نظام حمد بن جاسم الذي كان يقف إلى جانب تطلعات الشعوب ومشاريعها الثورية .
لا أقول بأن قطر هي الراعي الرسمي الذي يقف وراء الانقلاب الأسود في مصر ، ولكن بتغير موقفها الناتج عن التغيرات المفاجئة التي طرأت على البيت القطري كانت السبب الرئيسي في نجاح الانقلاب في مصر ، بعد أن كانت دولة قطر الدولة العربية الوحيدة التي تقف إلى جانب الرئيس المنتخب والنظام وليد الثورة في مصر ، فلم تكن هذه المؤامرة الانقلابية هي الأولى ضد الرئيس مرسي ، فمنذ توليه منصب الرئيس والمؤامرات تكاد تكون عدد أيام رئاسته ولكنها تبوء بالفشل ، ولكن هذه المؤامرة الانقلابية هي الأولى في عهد النظام الجديد في قطر .
وهذا ما يشير إلى أن النظام القطري السابق كان يحبط كل محاولات الانقلاب التي يتعرض لها الرئيس المنتخب من خلال وقوفه إلى جانبه ، ومن خلال الدور الكبير الذي يلعبه رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم الذي يمثل البوابة الرئيسية للأنظمة والحركات الإسلامية إلى قطر .
وقد كانت هناك دراسات عالمية بعيدة المدى كشفت عن أسباب فشل كل المؤامرات الساعية للإطاحة بنظام الإخوان في مصر على الرغم من الدعم السخي المقدّم من الإمارات والسعودية ، ووصلت تلك الدراسات إلى تقييم سياسة النظام القطري ومعرفة توجهه والعقل المدبر له ، واتضح من خلالها بأن الشيخ حمد بن جاسم هو العقل المدبر والمسيّر للسياسة القطرية ، ويسعى من خلالها إلى إنجاح مشروع الحركات الإسلامية في الوطن العربي ، ومساعدتها في الوصول إلى مظلّة الحكم على حسب الطريقة الشرعية التي وصل بها حزب العدالة في تركيا .
فما لبثت تلك الجهات العالمية حتى درست الطريقة التي من خلالها يتم إقصاء حمد بن جاسم عن مناصبه وإبعاده كلياً عنها بطريقة سلسة ومباشرة من الداخل الأسري بدون إحداث ضوضاء أو ضجيج .. ولا يهدم البيت إلا أحد أركانه ..!! .
فاستطاعت تلك الجهات العالمية أن تبث في أوساط البيت القطري إشاعات توحي بأن الشيخ حمد بن جاسم لديه مشروع يسعى إلى تحقيقه يهدف إلى سحب البساط من تحت الرئيس حمد بن خليفة ، من خلال سياساته الخارجية التي أتاحت له الفرصة الكبيرة في توسيع نفوذه ووضع شخصه في الواجهة أمام العالم ، وإضعاف دور الرئيس الشيخ حمد بن خليفة .
حينها ألحّت المساعي العالمية على قطر على ضرورة إبعاد حمد بن جاسم عن الحكم ، ولكن حمد لا يمكنه ترك حمد او التخلي عن رفيق دربه ، فأوكلت مهام المهمة إلى الشيخة موزة ، والتي بدورها استطاعت أن تضغط على زوجها في الانصياع إلى قرارها الذي ينص على تخليه عن منصب رئيس الدولة لابنه تميم ، والذي بدوره يقوم بتشكيل حكومة جديدة تبعد حمد بن جاسم عن مناصبه وهو القصد .
وكان الشيخ حمد بن خليفة قد استشار رئيس وزرائه حمد بن جاسم بشأن تخليه عن منصبه لابنه وتشكيل حكومة شابة فأعجب بذلك ، ولكنه أختلف مؤخراً مع الشيخ تميم رئيس الدولة الجديد بشأن إقصاء تميم لموظفين بالخارجية ، كان قد عينهم قبل تنازله عن منصبه رئاسة الخارجية .
لذا يتضح بأن الهدف من وراء تلك التغييرات المفاجئة التي طرأت مؤخراً على النظام القطري هو إبعاد وزير الخارجية ورئيس الوزراء حمد بن جاسم عن الحكم والقضاء كلياً على سياساته وعلاقاته الخارجية ، كما لم يكن متعمداً تخلي حمد بن خليفة عن منصبه ولكنها الضرورة الشخصية قضت على ذلك ..!! .
ومن خلال ذلك يتضح بأن ما حدث في قطر لا يمكن وصفه بتداول سلمي للسلطة كحال أنظمة الديمقراطية ، لكونه استبداد في الحكم وتوريث للأبناء ، كما أنه أيضاً لا يتناسب مع قوانين أنظمة المماليك التي تقضي على تولي الملك أو الأمير رئاسة المملكة أو الإمارة لا يبعده عنها إلا الموت ، فلا يتناسب على ما حدث في قطر غير وصفه بالانقلاب كما هو حقيقة .
هكذا نجحت موزة في قيادة الانقلاب الأبيض الناعم الذي غيّر وجهة قطر نحو العالم ، وسياستها الخارجية تجاه بلدان الربيع بكل سلاسة ومرونة بطريقة مخادعة ألبسته ثياب الربيع فأوهمت شعوب الربيع بمدى إيجابيته واستبشرت بقدومه ، وأضافته إلى قائمة الربيع لتفاجأ بالعكس .
وبعد أن تقلّد الأمير الشاب مقاليد الحكم بدأ بتقليم أظافر حمد بن جاسم من خلال عزل وإقالة كل من يرى أن له يد عليهم ، في عملية يراد بها تقليص نفوذ حمد بن جاسم ، ليس عداء لشخصه ولكن لسياساته المناصره لأنظمة الإسلاميين وأحزابهم ، وقد كان تميم يصف الإسلاميين بأصحاب العقول القديمة حد قوله .
وانطلقت آليات المؤامرة من قطر إلى مصر ، تسابق عقارب الساعة بعد أن نجحت في مشروعها الانقلابي في قطر ضمنت نجاحه في مصر ، حينها اتضحت الرؤية وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وأدرك الجميع حقيقة ما جرى في قطر وعلاقته الجسيمة بما يجري في مصر ، ومدى تأثيره على أرض الواقع ، والدور الذي كانت تلعبه قطر الذي لم يثنيها عنه حجم رقعتها الصغيرة .
وبعد انقلاب العسكر في مصر على الرئيس المنتخب من قبل الشعب جاءت ردود الفعل العالمية والعربية ، فالسعودية على وجه المثال أول المباركين على الانقلاب وتليها الإمارات ، جميعها لم يختلف عن سابقها إلا قطر وللأسف اختلفت اللهجة بداية بالخارجية القطرية التي اكتفت بالقول أنها تقف الى جانب الشعب المصري في إشارة منها إلى تأييد الانقلاب ، وانتهت بتهاني رئيس الدولة تميم لعدلي منصور كما ورد على قناة الجزيرة .
جاء تميم في مهمة القضاء على شرايين وأوردة التيارات الإسلامية ومراكزها المتأصلة في أعماق البيت القطري ، كما جاء البرادعي وأشباهه في مهمة مجابهة الإخوان المسلمين في مصر وإبعادهم عن الحكم بأي طريقة كانت ، والمؤامرتين الانقلابيتين في مصر وفي قطر لسن محليتين مصرية وقطرية فحسب بل مؤامرة دولية (( عربية غربية ))