تمر على اليمن يوم غد الخميس الذكرى الرابعة والعشرين لإعادة وحدته واندماج شماله وجنوبه في دولة واحدة وهي خطوة اعتبرت حينها من انجازات الارادة الوطنية في هذا البلد الذى عانى كثيراً من ضراوة وتوحش الفرقة والتمزق والحروب والصراعات الشطرية والايديولوجية وحمى الاستقطابات بين المعسكرين الدوليين ابان الحرب الباردة .. ومع ذلك فان من المفارقات غير المسرة ان تحل ذكرى ذلك الحدث الاستثنائي والفريد على اليمنيين وبلدهم يموج في بحر من المشكلات والاضطرابات والتوترات والمظاهر المقلقة التى تتهدد وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي واستقراره الداخلي ليس فقط بفعل انقلاب البعض من ابنائه على المشروع الوحدوي ومطالبتهم بإعادة تقسيم اليمن وانفصال شماله عن جنوبه ولكن نتيجة للعديد من المعضلات السياسية والاقتصادية والامنية التي اضحت تقف حائط صد وممانعة في مواجهة أي محاولة للانتقال به الى مرحلة البناء والاستقرار.
والسؤال الذي يطرح اليوم بعد ان تراجع الحماس للوحدة في برامج وافكار وطروحات العديد من السياسيين لماذا اصبح مشروع الوحدة غير جاذب؟ في حين انه الذي كان معبراً عن تطلعات جميع اليمنيين دون استثناء واين يكمن الخلل في المفهوم الوحدوي ووحدة البناء الاجتماعي في هذا البلد ام في سوء ادارته؟
مثل هذه التساؤلات تكشف عن كم هي المسافة شاسعة بين 22 مايو 1990م و22 مايو 2014 ليس من حيث البعد الزمني وانما من حيث اختلاف الظروف والفارق الكبير بين مفهوم الوحدة بالامس ومفهومها اليوم بعد ان وجد المنقلبون على الوحدة في بعض الممارسات الخاطئة المبرر لرفع عقيرتهم بمطالب يرونها مشروعة فيما يراها الآخرون بأنها ليست كذلك قياساً بالتجربة السودانية - التي تؤكد الان وبكل وضوح ان ما حدث من فصل لجنوب السودان عن شماله كان خطأ استراتيجياً فادحاً سيظل يشكو منه السودان وجنوبه تحديداً لعشرات السنوات إن لم يكن مئات السنين.
لقد قدم اليمنيون قبل 24 عاماً بمنطق الوحدة مثالاً حياً على انه ومتى ما وجدت النوايا الحسنة فلا شيء يمكن ان يحول دون الوصول الى غاية التوحد خصوصاً وهم من صنعوا ذلك الحدث التاريخي في لحظة فارقة كانت تقف فيها المنطقة على صفيح ساخن فالرئيس العراقي صدام حسين يغزو الكويت في تصرف عبثي ومجنون قاد الى حرب الخليج الثانية الا ان تلك الوحدة لم يدم ربيعها سوى عدة اشهر لتدخل البلاد في دوامة من العنف والصراع افضت الى مواجهات دامية وحرب اهلية صيف 1994م والسبب هنا لايعود الى فكرة الوحدة النبيلة ولكن الى الطريقة التي جرى التعاطي بها مع هذه الوحدة فمن ركبوا قطارها صعدوا لذلك القطار فيما هم الذين لم يكونوا على هدف او مرجعية واحدة لذلك وبدلاً من ان ينشغلوا بتحسين الاوضاع المعيشية لمواطنيهم وتخفيف وطأة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء دولة ناهضة وعصرية انشغلوا بالصراع على من سيقود ذلك القطار ومن ستكون له الغلبة والهيمنة على مقاعده لتختزل فكرة الوحدة بكل قدسيتها بتقاسم السلطة وتوزيع مغانمها.
وطالما ان اليمنيين قد اقروا من خلال حوارهم الاخير الحفاظ على هذه الوحدة من خلال صيغة جديدة (الفيدرالية) فان الواجب ان يدرك الذين مازالوا يرفعون شعار الانفصال ان الانفصال لن يكون حلاً وان أي مطالب لابناء الجنوب هي من تصبح عادلة ومحقة في ظل الوحدة وباطلة ومشبوهة اذا ما ارتبطت بالانفصال خصوصا وأن ما حصل في الجنوب من اخطاء حدث مثلها في الشمال وهناك إرادة داخلية على تصحيح كل الاخطاء في اطارمشروع وطني شامل يقوم على عدالة المشاركة في السلطة والثروة.
جريدة الرياض السعودية