من الاستعادة التأصيلية المعرفية إلى التأليف المُحايث للحضارة الإسلامية في شواهدها التاريخية المفعمة بالجمالي والدلالي؛ ذلك هو الإصدار التالي، استتباعاً لسلسلة «إصدارات الشارقة» بوصفها عاصمة الثقافة الإسلامية بعنوان «شواهد إسلامية على الحضارة الأوروبية.. الإرث الجمالي العربي الإسلامي».
ذلك العنوان الذي يُكثِّف الفكرة، ويُجلي الأبعاد منذ أول قراءة، فالحضارة الإسلامية في مشهدها الأوروبي التاريخي تمتد في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي القلب من المعادلة الجغرافية الإسلامية تركيا، والبلقان، وبلدان “اورآسيا” الإسلامية بعامة، وصولاً إلى شواهد العثمانيين الماثلة في بلغاريا ورومانيا ودول البلقان الممتدّة في قلب أوروبا.
أمَّا على المستويات الإسبانية والإيطالية والمالطية، فالشواهد ترقى إلى حالات مُتقدّمة من الحضور المشهدي البصري والدلالي العلمي والفكري، فإسبانيا اليوم هي أندلس الأمس، وجزيرة صقلية الإيطالية مازالت تحتفظ بشفرات الثقافة العربية، أما مالطا فهي ناطقة بـ«العربية» كاتبة باللاتينية، وعلى خط مُتَّصل تنبري الأسماء الأعلام في الثقافة الأوروبية التاريخية، ممن اغترفوا من صفاء الفكر الكبير للحضارة العربية الإسلامية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المصلح البروتستانتي الألماني مارتن لوثر الأول ذو النزعة الرُّشدية، وجوردانو برونو الإيطالي النابع من أساس المدرسة الصوفية الأندلسية، وتوما الإكويني الإصلاحي الكنسي الرائي لمعطيات الإسهامات الكبيرة للعرب المسلمين في ثقافة الجدل الكلامي المفتوح على التأويل.
سنقف مع المؤلّفة على بانوراما شاملة تختزل تلك الأبعاد في صفحات محدودة كماً وعامرة نوعاً، ذلك أنها تستقرئ حركة الترجمة التاريخية للثقافات اليونانية والهندية والفارسية، وكيف مثَّلت تجسيراً إسلامياً لعلاقة أوروبا بالفكر والفلسفة والفن، كما تقف على الشواهد العمرانية الإسلامية ذات الأثر الكبير في نظيرتها من العمران الأوروبي والكنسي منه على وجه الخصوص، ونقف أيضاً على التمهيد المعرفي الكبير الذي ترافق مع ابن الهيثم وجابر بن حيان، وغيرهما من روافع العلوم ممن كانوا بمثابة درب العبور الكبير لجاليليو الفلكي، ونيوتن الفيزيائي، وغيرهم من علماء أوروبا.
وبطبيعة الحال كانت الأندلس وحاضرتها الاستثناء قرطبة مركز الثقل الأكبر في معادلة الإرث الجمالي والدلالي للحضارة العربية الإسلامية الأندلسية.
بهذه المطبوعة يتواصل إنجاز مصفوفة الاستعادات الوامضة، والتأصيلات المعرفية الشاملة للحضارة الإسلامية، اتساقاً مع رسالة الشارقة، عاصمة الثقافة الإسلامية للعام الجاري 2014م.
[email protected]