ما يحدث في عمران خلال أكثر من 3 أشهر هو امتداد لحرب خاضتها الدولة والجيش اليمني ضد جماعات الحوثي المسلحة خلال ست حروب متتالية بدأت منذ اطلاق هذه الجماعة الرصاصة الأولى في العام 2003 ضد الدولة.
مثلت حركة الحوثي التي قادها حسين بدر الدين الحوثي حركة فكرية تقوم على فكرة الحق الإلهي في الحكم، ولم تكن هذه الجماعة سوى امتداد فكري لحقبة مرت بها اليمن خلال 1000 سنة مضت من حكم الائمة في اليمن.. ولم تعرف اليمن خلال فترة الالفية الأخيرة من دخول ممثلي هذا الحكم سوى الويلات... وارتكبت المجازر في حق الشعب اليمني كامتداد لتثبيت حكم الائمة. فما كان من أئمة مثل عبدالله بن حمزة وولده، وادعاء الاحقية لأمثل المحطوري سوى نكبات تاريخية لشعب بنى جزء من أعظم الحضارات الإنسانية.
فاستغلال العواطف الدينية كانت ولازالت العامل الرئيسي في التأثير على أبناء القبائل اليمنية، الذين توارثوا تقديس الدين منذ القدم.
وبالعودة لحركة الحوثي ومؤسسها الذي قضى عمرا في التستر خلف دعوات العودة إلى الحكم من باب نشر التشييع بعد أن قضى حسين الحوثي فترة من عمره في إيران، خالقاً لنفسه موطئ قدم لدعم قد يصل به إلى الحكم.. فالشغف السياسي لمؤسس الحركة الحوثية كان موجود بدليل ترشحه في العام 1993م كعضو مجلس نواب، ومحاولته الزج بنفسه كطرف سياسي موجود على الأرض الامر الذي لم يتكون الا بمعاونة أحد قيادات الحوثيين السابقين ومؤسس الشباب المؤمن في صعدة محمد عزان.
الرجل الذي لم ينكر وجود طموح سياسي عند حسين الحوثي خاصة بعد أن بدأ الرجل بالتعامل المباشر مع سفارة طهران بصنعاء.
ولكن تطورات الاحداث في المشهد اليمني نقلت الجماعة وخلال عقد التسعينات من التجهيز والشحن الطائفي والتجهيل لأبناء القبائل صعدة في ظل غياب كامل للدولة. إلى جانب توفر هذه الجماعة كورقة ضغط سياسية كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح يقوم بتحريكها من أجل خلق قلق عام في الحدود الشمالية للبلاد.
بهذا انتقلت الجماعة من طور التكوين إلى طور التواجد على الأرض، فما كان من الجماعة إلا أن أعلنت وبشكل غير مسبوق عن إنزال أعلام الجمهورية اليمنية وفرض سيطرة جماعة حسين الحوثي على أجزاء من صعدة.. بداعي محاربة "الشيطان الأكبر"، بشعار "الموت لأمريكا" المستورد من عمائم ملالي طهران.
بالطبع كان ذلك الإعلان غير مفاجئ للدولة التي كانت موجودة وقادرة على كبح جماح هذه الجماعة..
فتصرفت الدولة مع هذه الجماعة المسلحة كمليشيات خارجة عن القانون تقوم بمحاربة الدولة، الامر الذي لم يكن عادياً فخاضت الدولة منذ العام 2003 ستة حروب متتالية.. كان أهمها وأخطرها هي حرب 2006 التي فعليا تم القضاء على هذا المكون الذي ظل يقتل أبناء الجيش اليمني ويقطع الطريق.
ولكن ما حدث بعد ذلك لم يكن سوى مسرحية دمى حركها وبامتياز الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فمنذ مقتل قائد الجماعة تعرضت الجماعة لانهيار شبه جزئي.. ولكن أذرع الحوثيين في الدولة وخاصة من بعض المنتسبين للبيوت الهاشمية الذي استطع حسين الحوثي من استمالتهم كجزء من الحكام الالهيين لهذه الأرض نقلت الجماعة وخلال 2007 إلى 2009 إلى كونها ند لاعب في ذلك دور المعارضة الحزبية التي حاولت أن تناكف سياسياً حزب السلطة المؤتمر الشعبي العام.. وتزامنت الحروب الثلاث الأخيرة مع ظهور طرف ثالث على الساحة اليمنية وهو "الحراك الجنوبي" بشقيه المسلح.
بالطبع لم تتوقف عجلة الحوثيين وماكيناتهم خاصة مع دعم إيراني لا محدود، إلى جانب ما قادته منظمات المجتمع المدني بنوع من حسن النية الظاهر عن طريق تسويق ما سمي فيما بعد بـ"مظلومية أبناء صعدة" التي نسبت فقط لتلك الجماعة المسلحة.. متجاهلين بشكل متعمد وخبث سياسي أبناء صعدة الذين تم قتلهم وتهجيرهم بسبب الخلاف العقائدي والفكري مع منتسبي الجماعة...
اتفاقية الدوحة مثلت المنطلق الرئيسي والمبعث الحقيقي لتمدد هذه الجماعة في ظروف غير حربية، وظلت الجماعة في توسعها المحصور خاصة ومع مرحلة وجود شبه الدولة الهش الذي كان يحكمه علي عبدالله صالح.
الى جانب اندلاع ثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير من العام 2011 لجماعة أثنية مثل الحوثيين بوابة الولوج السياسي كطرف مسلح خاصة أن الممارسات السياسية من جبهة أحزاب اللقاء المشترك الفصيل الأهم في الثورة اليمنية وإسقاط الحاكم الظالم كجزء مكمل في المناكفات السياسية التي خاضتها اليمن طول أربعة عقود ماضية.
لم تتوقف عجلة الحوثيين عند ذلك فمهدت خلافات المركز في صنعاء خاصة بين أقطاب الحكم وخاصة القبلية منها الأرض الخصبة لنمو الحوثيين.. فما كان من الحوثي إلا إعلان سيطرته على صعدة ففترة عقدين كافية لتغيير النمط الفكري لمجتمع قبلي بسيط إلى جانب ممارسة عمليات التهجير والقتل والتشريد لكل من قاتل مع الدولة أبان الحروب الستة.
واشتدت التجاذبات السياسية في صنعاء حتى سقطت صعدة فعلياً في أيدي الجماعات المسلحة الحوثية.