عند تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي استنفذت فترتها الانتقالية بزيادة تقارب نصف السنة ولم توفق إلا في القليل القليل من مهماتها تبادل الناس ظنونا كثيرة عن تواضع حزب الاصلاح وزهده في السلطة حيث أشار كثيرون إلى أنه لا يملك إلا وزارتين هما التخطيط والتعاون الدولي والعدل وثالثة قيل إنها أعطيت لمستقل هو وزير الداخلية (باعتبار القانون يحرم على العسكريين ممارسة العمل السياسي) وتبادل الناشطون دعابة تقول أن احد القياديين الإصلاحيين رشح أحد الوزراء باسم قائمة المشترك لكنه اعتذر لقيادة المشترك عن نسيان الإسم وطلب منهم مهلة للتدقيق في اسم الوزير الذي اقترحه لكن اتضح لاحقا أن الوزير لم يكن سوى ابن أخت ذلك القيادي (أو بزيه كما يقول الإخوة الشماليون) يعني إن الإصلاحيين من كثرة انشغالهم بالوطن ينسون حتى أسماء أولاد أخواتهم، وعندما كوش حزب الإصلاح على ست محافظات باستصدار قرار رئاسي بتعيين محافظين إصلاحيين لها تبادل الناس (المتعاطفون مع الإصلاح) أن الإصلاح ليس له إلا اثنان من هؤلاء أما البقية فهم إما من أتباع حميد الأحمر أو من أتباع علي محسن الأحمر.
الكثيرون لم يكونوا يعلمون أن هناك أكثر من تجمع داخل الإصلاح وإن هؤلاء تجمعهم استراتيجية واحدة وأهداف واحدة وتكتيكات واحدة لكنهم يتقاسمون المهمات والاختصاصات فهناك القيادة المعلنة للتجمع وهي تمارس النشاط الحزبي والسياسي والتنسيق مع الأحزاب التي ما تزال تراهن على دور ما للقاء المشترك تحت قيادة الإصلاح بعد أن أثبت أنه لا يستخدمه إلا مطية لتحقيق أهدافه الإصلاحية الحزبية الصرفة، وذلك التجمع هو صاحب الوزارات الثلاث التي أوهم الناس بقبوله بها للبرهان على التواضع والزهد الشديدين في السلطة، وهناك تجمع يتولى المهمات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية بما في لك التنسيق مع التيارات الجهادية، وهذا الاتجاه يقوده اللواء علي محسن وهذا يتبعه ما لا يقل عن ثلاثة وزراء يعملون تحت إشرافه وينفذون أجندته، ومثلهم مستشارو رئيس الجمهورية ومدير مكتبه الذين إن طلب منهم (قائدهم) الذهاب إلى المؤتمر الشعبي العام يذهبون وقد فعلوا ذلك بعد العام 1997م وإن طلب منهم الخروج من المؤتمر والعودة إلى تجمعه للإصلاح يفعلون وقد فعلوا عند اندلاع الثورة الشبابية السلمية في العام 2011م ويتبع هذا التجمع عدد كبير من نواب الوزراء والوكلاء ورؤساء المصالح والسفراء وقادة الألوية والمحافظين ومدراء المديريات والقادة الأمنيين وسواهم.
وهناك التجمع اليمني الثالث للإصلاح وهو يتولى المهمات القبلية والتجارية والمالية وهذا يتبعه أكثر من ثلاثة وزراء ومكتب رئيس الوزراء برئيسه والعاملين فيه من مدير المكتب إلى الناطق الرسمي للحكومة ومئات الوكلاء والمدراء والمشائخ وهؤلاء مهمتهم التحكم في صناعة قرارات رئيس الوزراء والحكومة وحشد الأنصار القبليين وصناعة القادة من بينهم.
وهناك التجمع اليمني الرابع للإصلاح الذي قد يكون حضوره ضئيلا في الحكومة لاعتبارات تتصل بالعلاقات الدولية، بسبب ما تتمتع به قيادات هذا التجمع من سمعة سيئة على الصعيد الدولي، وهو التجمع الديني لكن هذا أيضا يلعب دورا مهما في الترويج لسياسات الإصلاح باستخدام الجوامع والمساجد وجامعة الإيمان وتجمعات رجال الدين وتصويرمواقف الإصلاح على إنها تخدم الدين الإسلامي الحنيف ولا تحيد عنه حتى لو تمثلت بنهب حقوق الناس والاستيلاء على أملاكهم وقتل الخصوم السياسيين من المسلمين أطفالا أونساء أو رجالا مقاتلين أو مدنيين، وأن رفض سياسات التجمع (بفروعه المختلفة) أو الخروج عنها إنما هو خروج عن الملة والدين، وهذه القناعة منتشرة بين أتباع كل أحزاب التجمع ليمني للإصلاح وإن تفاوتت حدة التعبير عنها من طرف إلى آخر.
أحزاب التجمع اليمني للإصلاح ليست متناثرة أو متنافرة بل إنها تكمل بعضها بعضا وتستند إلى مرجعية واحدة وتعمل من أجل أجندة واحدة، وهي تكلف كلا منها بالمهمات التي تناسبه ولا تخلط بين مهمات الأجنحة المختلفة فمثلا قد لا يتدخل الجناح السياسي في أعمال الجناح العسكري ـ الأمني لكنه يساند مواقفه ويدافع عنه حتى لو ارتكب أبشع الجرائم بل قد يصور هذه الجرائم على إنها عمل وطني شريف يستحق الإشادة والثناء، كما قد ينتقد أحد الأجنحة أو بعض أفراده شطحات ومزايدات الجناح الديني لكنه يرجع إليه عند الضرورة لأخذ الاستشارة وإسناد المهمات إليه كما جرى في حرب 1994م أو كما يجري هذه الأيام في حروب عمران وحتى عند الحرب على القاعدة في أبين وشبوة.
التعطش للسلطة له كلفته العالية وعندما يستلم السلطة موتورون وفاشلون وأصحاب سوابق غير حميدة وذوو سمعة سيئة ومنفرون ومستفزون فإن الكلفة ترتفع، وعندها يرتفع معدل تصادمهم مع مصالح الشعب فتتسارع عوامل الثورة على هؤلاء، وليس أدل على ذلك ما تعانيه المحافظات التي تولاها محافظون جدد بعد الثورة وراحوا يسلكون طريق أسلافهم في خدمة الأجندة الحزبية وبشكل أكثر صفاقة وسفور مما كان يفعل محافظو المؤتمر وهو ما أجج الرفض لهذه السياسات وولد الإحباط لدى قطاعات واسعة من المواطنين من نتائج ثورة الشباب السلمية.
إن إصرار حزب الإصلاح على أن يتسنم موقع الصدارة في إدارة البلد بقيادات يمتلئ تاريخها بجرائم السلب والنهب والقتل والسطو والحروب والتدمير والاغتيالات والفتك ـ قيادة لا تتمتع بموهبة الإدارة ولا بمبدأ النزاهة ولا تحظى بأي شعبية بين الناس الذين تتعامل معهم، كل هذا يقدم ثورة لربيع العربي في اليمن على إنها قد تعرضت للخطف تماما كما خطفت مزارع الفلاحين والتعاونيات ومزارع الدولة والمؤسسات التجارية ووكالات الشركات النفطية والصناعية والاستكشافية والتجارية العالمية في الجنوب وكل اليمن يعد حرب 1994م لأن السطو هو السطو سواء كان السطو على أرضية أو على رواتب آلاف الجنود والضباط أو على عشرات الوكالات التجارية أو على ثورة شعبية.