ترددت كثيرا ان اكتب عن هذا التاريخ لأنه اصبح تاريخ شؤم للبعض لا يريدون الحديث عنه بالنسبة لي وفي هذا الزمن بالذات في عام 2013 وبعد مرور زمن على الوحدة بكل الارهاصات التي صاحبتها ,لي تحفظاتي الخاصة عن قضيةالوحدة او الانفصال والتي يمكنني مناقشتها بمنأى عن ضروراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهذا ماقد افعله في مقال لاحق.
لكني هنا وفي هذا اليوم بالذات سارصد ذكرياتي كمواطنة يمنية و"بس"عن وفي ذلك اليوم وانا على ثقة ان الكثير من اليمنيين شاركوني تلك الاحاسيس بصور مختلفة وفي ذات المصب....
رن تلفون البيت في شمال السويد وفي قرية صغيرة تدعى "مالكوم"حيث كان زوجي يعمل كمترجم في معسكر لللاجئين وكنت في البيت مع طفلتي الصغيرة اذ بي حين رفعت سماعة التلفون الى اذني اسمع النشيد الوطني اليمني بصوت الفنان اليمني ايوب طارش وبكلمات الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان
ثم يقطعه صوت اخو زوجي الاصغر مواكبا النشيد
رددي ايتها الدنيا نشيدي.. ردديه واعيدي واعيدي
وجدت نفسي اردد معه النشيد لم اكن اعلم لم يسمعني اياه كنت اظن انه كعادته حين يجد اغنية يمنية مؤثرة يسمعني اياها
جاءني صوته بانفعال لقد وقعوا على الوحدة اليمنية واخذ يردد النشيد لأردده معه بانفعال ودموعي تطفر من عيوني دون ان استطيع السيطرة عليها.
فرحة لاحد لها اتصلت بزوجي في العمل اخبره واطلب منه العمل على حجز تذاكر سريعة للرحيل الى الوطن ومن ثم الى" عدن" حلمه الذي تخلل ايام حياتنا وموطن راسه وطفولته الذي حكى لي عنه طويلا والذي صاغ شوقه اليه بعد غربة طويلة في روسيا للدراسة ثم في شمال الوطن ثم في السعودية ثم في تطوعه في حركة التحرير الفلسطينة الى ان وصل الى السويد لاجئا سياسيا واستقر به المقام ولحقته بعد تعارفنا وزواجنا,
حملنا طفلتنا في رحلتنا الى صنعاء اولا وكانت المفاجأة ان الرحلات الى عدن اصبحت لها شركات نقل منظمة قررنا ان نرحل مع الباص وان يرحل اخو زوجي بالسيارة لكي نجد وسيلة للمواصلات في "عدن".
كان الباص يسير بشكل سريع انا التي اخاف السرعة طلبت من زوجي ان ننزل في اول موقف استراحة بالباص وان نغير بالسيارة بعد ان تغيرظننا ان الباص اريح لطفلتنا وهكذا اشار الى اخيه الذي كان يساير سرعة الباص بالتوقف حال توقف الباص.
استقلينا السيارة وابتدأ حلمي في طي هذه المسافات التي كنت اظن انني لن اجد لنفسي موطئ فيها وبالمثل كان زوجي صامتا وكانه غير مصدق انه في طريقه الى موطنه ومنبت حلمه مدينة "عدن" مدينة طفولته الساحرة.
وجدت نفسي اطلب من "هاشم" اخو زوجي وسائق السيارة التوقف ظن انني متعبة فتوقف على جنب لكني درت بعد نزولي من المقعد الخلفي وبعد ان تركت طفلتي لأبيها وطلبت منه الخروج من مكان السائق لأقوم انا بنفسي بسياقة السيارة اردت ان اثبت لنفسي ان كل المسافات اصبحت ملكي لا فرق بين منبت راسي في الشمال وارض زوجي وشريك حياتي في الاراضي الجنوبية.
تسلمت مقود السيارة ورأيت ابتسامة ز وجي بعد انتقاله الى المقعد الخلفي لم يحاول حتى الاستفسار وكأنه قرأ افكاري بانني اريد ان اعبر ارضي التي حرمت منها طويلا كان مثلي وربما اكثر حلما انه قد عاد الى ارضه وطنه لم يعد جنوبيا في الشمال ولم تعد زوجته شمالية في الجنوب وطفلتهما قد اصبحت يمنية فقط كما كان يحلو له حين نقدم انفسنا لأصدقاء جدد تعرفنا عليهم ويسألوننا من الجنوب ام من الشمال "نحن من اليمن" اجابة زوجي الدائمة يلاحقها رفيف عينيه بالم وغيظ.
وصلت حسب الارشادات الى حي الشيخ عثمان الذي حكى لي زوجي عنه كثيرا والذي مازال منزل العائلة الذي احتفظت به بعد ان فقدت الكثير من املاكها ابان التاميمات .
بداء زوجي يشرح معرفته بالشوارع وتساؤلاته بعد غيابه الطويل هنا كان كذا هنا كان ذاك وبدأ اخوه الذي نزح لاحقا الى شمال الوطن ولم يغادره الى مكان ما شرح التفاصيل التي غابت عن زوجي في غيابه الطويل وصلنا البيت ووضعنا رحالنا وبدأت في اعداد وجبة صغيرة للصغيرة لكني وجدت زوجي يستعجلني سنذهب الى جولد مور لم اود الاعتراض او ابداءرغبتي في تأجيل الامر الى الغد لراحة الصغيرة قررت ان نصطحبها ستنام ان لازمها التعب كنت اعلم ان زوجي مسكون بحلم غزا لياليه طويلا!
وصلنا الى" جولدمور" او الساحل الذهبي كما اطلق عليه ابان الاحتلال الانجليزي لجنوب اليمن.
ابنتي ينقصها حفاظات الاطفال والحرارة خانقة لها
توكل زوجي بامر طفلته لايريد تدخلات وكانه يريد تعريف ابنته على الارض التي ولد فيها اباها دون تشوشات عابرة.
بينما اخلدت انا الى الراحة في كازينو الساحل كنت اراه من بعيد يحمل طفلته ليضعها في ماء الساحل مثل بطة صغيرة بحفاظتها البارزة في مؤخرتها يضعها معه في الماء ثم ينزعها منه يبلل راسها بالماء وكانه يعمدها به قارئا وصيته كأب لأيام قادمة ستعشها طفلته ربما لاوجود له بها!
"هنا موطنك وموطن من هو ابا لك احبيه كما احبه ابويك هذا الماء زادك وحبل وريدك في رحلتك في عوالم اخرى من هنا بدأت والى هنا ستعودين انا كنت".
لم ارد التعبير عن خوفي على طفلتي ان تصاب بوعكة من تبللها بالماء وتعرضها للريح كنت اعلم ان زوجي الشاعر يعيش ازدواجيتة الشاعرية بين الواقع والخيال في هذه اللحظة بالذات واخراجه منها قد يفسد كثير من الامور .
كم عبر عن اشتياقه لهذه اللحظة لحظة يعود بنا الى موطن صباه كان يحلو له دوما التنكت بالفارق بيننا باني جبلية وهو ساحلي , وصرامتي في التمسك بالرأي كقبيلية وسماحته كساحلي.
ولن ادخل في تفاصيل سياسية لما حدث بعد ذلك
ربما اناقش ذلك لاحقا لكني الان مازلت تحت تاثير اللحظة التي زرت فيها ارض زوجي وابو ابنتي لأول مرة كم من الاسر اليمنية عاشت مثل لحظاتي
لكن وحدتنا حقيقة واقعة كأسر وافراد وانفصالنا لعبة سياسية لو وجدت ادارة صحيحة لما كانت و لما خطرت على بال!