الحكمة العميقة لقناة اليمن اليوم, على بطاقة العزاء!

2014/06/14 الساعة 07:08 مساءً

اقتحام قناة اليمن اليوم وإيقاف بثها من قبل الحرس الرئاسي هو عمل عظيم يأتي ضمن سعي الدولة إلى إيقاف الفوضى طبقاً لتقديرها. على أمل أن تمارس الخشونة نفسها تجاه سهيل والمسيرة عند نفس الظروف. في كتاب الحرية لجون ستيوارت ميل، أحد أهم المرجعيات الأوروبية في الحرية في القرنين الماضيين: "من حقك أن تقول إن الاحتكار عمل شائن. لكنك عندما تقول هذه الجملة أمام جمهور غاضب محتشد أمام متجر فأنت داعية شغب".. كانت قناة اليمن اليوم قد قالت إن إيقاف القنوات التابعة للإسلاميين في مصر، أثناء ثورة 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو، هو عمل حكيم. لأن الإبقاء على تلك القنوات في تلك اللحظات الحرجة من شأنه أن يصب المزيد من الزيت إلى النيران المشتعلة. وفيما يبدو كانت قناة اليمن اليوم تتحدث بحكمة عميقة. هي الحكمة ذاتها التي نعيد سردها عليها الآن، على بطاقة العزاء. بالتوازي مع إيقاف قناة اليمن اليوم تحرك الجيش وخاص حرباً حقيقية مع قطاع الطرق على الطريق إلى مأرب. على الدولة أن تثبت حضورها أولاً عن طريق القهر. القهر هو أول ميكانيزمات حضور الدولة. فرض زياد بن أبيه أول عملية حظر تجول في التاريخ. وجد رجلاً شارداً يعس في الظلام. قال للأمير: اعذرني يا مولاي، فو الله ما علمت بالأمر إلا على باب المدينة. قال له زياد: والله إني لأعلم إنك على حق، ولكن لا بد أن تكون عبرة. في السديم، الفوضى، العدمية يصبح لآلة القهر معنى سامي. كانت أمي تقول دائماً: الصميل خرج من الجنة. لا يمكن لدولة محترمة أن تقتحم قناة تلفزيونية في برلين. ولا يمكن السكوت على اقتحام قناة تلفزيونية في بروكسل. أما صنعاء فهي أخطر مكان في العالم، وفقاً لتصنيف وسائل إعلام أوروبية. كانت رويترز قد رفعت، منذ العام 2010، التأمين على العاملين في صنعاء بما يزيد على تأمين عامليها في أفغانستان. في صنعاء سرعان ما تؤول الدعاية الكاذبة والتحريض الإعلامي إلى أرقام جديدة في جداول: القتل، الفقر، ساعات الظلام، والحوادث. الكلفة الإجمالية للتحريض والعنف الإعلامي باهضة، ومرعبة. الكلفة الكلية: أمنياً وأخلاقياً واقتصادياً. على الدولة أن تراعي هذا الأمر وأن تتصرف طبقاً لأفق توقعات الناخبين. في هذه اللحظة لا توجد شرعية حقيقية سوى للرئاسة فقط. إذ كل شيء أصبح خارج الشرعية. تستطيع الرئاسة أن تستخدم الجيش والأمن لخلق الإمتثال الإجباري القهري. فيما لو كانت قناة اليمن اليوم، وهذا مجرد فرض، بريئة فإن ذلك سيشعرنا بالأسف فيما بعد. إذ لم يكن لدى الدولة المزيد الوقت، في اللحظات الحادة، للمفاضلة الطويلة بين الشك واليقين. في ساعات الفوضى، عندما يكون النسيج الاجتماعي مهدداً على نحو خطر، يكفي الشك لإعمال آلة القهر. إنما الغافل من لا يستبد. لا توجد سياسة في صنعاء، ولا إعلام. ثمة فوضى وعنف وقطاع طرق ونخاسون. ومصالح مهدورة على الطرقات. فقد مليون شخصاً، بحسب تقرير حكومي، وظائفهم خلال العامين الفائتين. بينما غادر اليمن أكثر من سبعة مليارات دولار في وقت قياسي للغاية. عشرة أسر، تزيد أسرة أو تنقص أسرتين، تخوض حروباً ندفع نحن ميزانيتها. الحقيقة أننا فعلنا أمراً صائباً. منحنا هادي تفويضاً واضحاً لاستخدام آلة القهر، لا لإلقاء الخطابات. الرئيس هادي حصل على تفويض شعبي لم يستخدمه حتى الآن. في كل مرّة يتلكأ الرئيس عن استخدام التفويض الشعبي، الحقيقي، يصبح جزءً عميقاً من المشكلة. ما إن يبادر لاستخدام آلة القمع، الجيش والشرطة، فإنه يضع قدميه على القضبان في الطريق إلى الرئاسة الكاملة. لدينا جيش جرار. إذا لم يكن لدى أفراد الجيش من رغبة في العمل كفلاحين في تهامة، ليصبح لميزانية الجيش معنى، فإن على الجيش إذن أن يحرس المدن ومصالح المواطنين. أي أن يستخدم الآلة الخشنة لتحقيق الامتثال الإجباري، لا الطوعي. تحدثت إلى شخصية مرموقة في وزارة الداخلية. قال لي إن السبب الرئيسي في الفوضى الأمنية نشأ من الفجوة التي فصلت الداخلية عن الجيش بسبب "لا توافق" الوزيرين إباان قحطان. على ما في هذه الفكرة من ركاكة إلا أنها تبدو إلى حد ما ذات معنى. يمكن للوزيرين أن يعملا الآن جنباً إلى جنب، بصرف النظر عن الملاحظات التي يمكن أن تقال حول أداء كل منهما. في الأخير هما موظفان، وعليهما مهام وظيفية.. بثلاث حركات يمكن أن يصبح صالح وعصاباته جزءً من التاريخ. في الواقع خارج التاريخ. استخدام الآلة الخشنة الآن، آلة الجيش وآلة الأمن، آلة القمع والقهر هي الطريق الإجباري لخلق المناخ المناسب للحديث في السياسة. ليس صالح فقط، بل كل العصابات الجوّالة. لا يمكن السكوت عن مصادرة أجهزة بث لقناة تعمل في براغ، ولا في اسطنبول. لكن صنعاء قضية مختلفة كلّياً. ملحوظة: ما سبق لا علاقة له بفكرة التظاهر. هذا حديث على مستوى آخر: صناعة الفوضى وحصار المدن. اعترف أن هذه كتابة ميكيافيللية. بيد أن مكيافيللي لم يتحدث عن أخلاقية القهر سوى في حضور الفوضى الحرجة التي تتهدد السلم الأهلي بالكلية