كانت – ولا تزال – ثمة شعرة تفصل بين الحرية الإعلامية والمصلحة الوطنية - أياً كانت - إذ أن اختلاط أو تداخل هذين المعيارين سوف يؤدي – بالنتيجة – إلى إرباك مشهد الحريات الإعلامية وبخاصة إذا ما كانت هذه السجالات تأتي وسط ظروف استثنائية تعيشها الأوطان، كما هي الحالة الراهنة في اليمن.
لقـد جـرت خـلال العقدين الماضيين سجالات عديدة ومعمقة حيال تلك الجزئية، ولم تفض إلى نتيجة ،حيث بدأ التداخل واضحاً في اختلاط مفاهيم ممارسة هذه الحرية الإعلامية وبين طبيعة المصلحة الوطنية وبخاصة عندما يقف الطرفان على النقيض.. يدّعي الأول أنه يحتمي بمناخ الحرية الإعلامية فيما ينشره من أخبار وتقارير ومعلومات لا تتكئ – في أغلبها – على حقائق ملموسة وإنما تقدّم في أكثر حالاتها بصورة مغلوطة و مظلّلة كما يصفها الجانب الحكومي واعتبارها مجرد فبركات صحفية أو أنها تنبع عن مواقف بعض الأحزاب التي لا تستقيم – بالضرورة - عن الحقائق المجردة بقدر ما تعبّر عن استهداف لمقومات التجربة والنيل من آداء المؤسسات الوطنية وتحديداً العسكرية والأمنية منها.
مثل هذا التباين والتداخل برز في الآونة الأخيرة مع التطوّرات الدراماتيكية التي تشهدها الساحة الوطنية وعلى مختلف تداعياتها العسكرية والأمنية.. وبحيث بدأ هذا التباين في الطرح الإعلامي وكأنه جزء من أدوات الحرب القائمة لتقويض بنية المجتمع و وحدته الوطنية وتماسك مؤسساته.
وبناءً على تلك المعطيات الخطيرة في اختلاط المفاهيم تجاه القضية الوطنية ومسئولية الإعلام فإن الأمر يتطلّب ضرورة الدعوة إلى عقد جلسة حوار نقاشية تشارك فيها مختلف المؤسسات ذات الصلة بالرسالة الإعلامية والحكومة من أجل الالتقاء على قواسم مشتركة لترسيخ خطاب إعلامي مسؤول يعزّز تلك القيم الوطنية.. وينأى بالتجربة السياسية عن مغبة الاحتقان وتجنيب المكونات الحزبية عن مكامن الوقوع في أخطاء استراتيجية تقود –دون محالة – للذهاب سريعاً إلى المجهول وبخاصة بعد أن يكون هذا الإعلام قد أثار حالة من العواصف والزوابع التي تظلّل سماء الحياة اليمنية بالقتامة جرّاء اتساع خطاب التشكيك وإثارة الأحقاد وكل أشكال التعصب والتخندق في زوايا ضيقة وبما يؤدي – لا سمح الله - إلى الكارثة!
فعلاً.. لقد حان الوقت الآن وليس غداً أن تتداعى النُخب الإعلامية إلى عقد هذا الحوار، الذي إن تأخر فإن خطراً أكبر سيطال هذه الحريات الإعلامية أكثر من أي شيء آخر!.
"الجمهورية"