يخبرنا التاريخ على مر العصور عن رجالا لطالما ضحوا بالغالي والنفيس من أجل النهوض بأوطانهم وإسعاد شعوبهم ، وتغيير وجهتها نحو النماء والتطور لتكون في مصاف الدول المتقدمة ، وحدثنا التاريخ أيضا عن شعوب
امتلكت الروح والعزيمة للخروج من عثراتها لتمتطي دروب النجاح والعيش الكريم .
وتظل دراسة التاريخ هي الوسيلة الناجعة لأخذ العبر والاستفادة من تجارب أسلافنا ومن سبقونا في الركب ،فهناك تجارب كثير من الدول النامية التي استطاعت أن تنهض من كبوة التخلف والجهل إلى بر الأمان والتنمية والازدهار ، ويظل الشاهد في ذلك أن النماء والاستقرار لم يأتي على طبق من ذهب بل جاء بعد مسيرة عمل شاق وطويل وفق عملية تفاعلية متكاملة على كافة الأصعدة وبرنامج إصلاحي طويل المدى.
ففي عام 2003م تولى "لولا دا سيلفا" الحكم في البرازيل وكانت البلاد تعاني من تعاظم المشكلات الاقتصادية فقد انخفض قيمة الريال البرازيلي وارتفع الدين العام وعانى مواطنين البلد نقص حاد في توصيل الكهرباء ، وعلى الصعيد الاجتماعي فقد تردى التعليم وانتشر الفقر وزادت نسب الجريمة والبطالة وتجارة المخدرات ما أدى إلى خلق أزمة ثقة وتدمر بين أوساط المواطنين وفي ظل كل هذه الصعوبات توافرت الإرادة السياسية ومعها الإرادة الشعبية الحقيقية ووعي الجماهير بأهمية النهوض ببلدهم فقرروا أن يتحملوا الكثير من أعباء سياسات التقشف حتى تعافى الاقتصاد البرازيلي وأصبح مع نهاية 2011م سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطانيا ، واستطاعت أن تقدم عروض ناجحة وقوية وصادقة مكنتها من الحصول على تنظيم أهم حدثين رياضيين كاس العالم 2014م ، والألعاب الاولمبية 2016م .
وتجربة دولة ماليزيا تجربة ففي خلال فترة قصيرة تحولت البلد من بلد يعتمد على تصدير المواد الأولية إلى واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا ، ومن أكثر الأمور اللافتة للنظر لأسباب نهضتها ونماها هي قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات الثلاث المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة وهم المالايو ويمثلون 58% ، والصينيون وهم 24% ، والهنود ويمثلون 7% ، ورغم الاختلاف الديني للثلاث مجموعات إلا انهم عملوا على وحدة الشعب وعملوا جميعا كشعب واحد ،فقد طلب من الشعب أن يعمل في اليوم ثمان ساعات فعمل الشعب ساعتان اضافيتان كل يوم طوعيا وبالطبع لم يكن الامر سهلا ولكن حبهم لوطنهم هو ما جعله ليس بالأمر المستحيل .
وفي واقع كاليمن علينا أن نفهم ما الذي يدور حولنا ونفسره بعيدا عن العاطفة والتعبئة المغلوطة ، والتظر للصورة بشكل عام وبوضوح رؤية ، فالتناقضات جلية وواضحة فحينا نرى مجموعات سياسية تتصارع فيما بينها لتثبت واحديه حضورها ومن ثم تعمل على مبدأ البقاء للأقوى وصولا للسلطة ، وحينا أخرى ترى نفس المجموعات تكثف جهودها لتشكل تحالف سياسي –قبلي – عسكري – ديني لعودتها لتتحكم بالمشهد السياسي وصولا أيضا للسلطة ، ولأنها تمتلك إمكانات مادية وارتباطات اقليمية فأنها تسخر كل ذلك لنشر الفوضى بمختلف أشكالها ، وزرع الخوف في نفوس المواطنين ليترحم المواطن على ما مضى ويقول رحم الله العهد السابق .
وبين هذا وذاك تظل عملية الاصلاح والتحديث أمام الهادي وشعبه تحدي يتحول بحنكة وقوة القائد والاستجابة الشعبية إلى انتصار لتصبح المواجهة المفتوحة بين القائد وبين القوى المناهضة للثورة وعملية التغيير هي صمام أمان الأمان المرحلة لأن الوضع زاد تأزما وأصبحت الفوضى سمة المرحلة ، فلا استقرار اقتصادي في ظل فوضى سياسية ولا استقرار سياسي ما لم تبدأ عجلة التنمية بالدوران .
مقاومة القديم للحديث ظاهرة متأصلة وخاصة في مجتمعنا اليمني ، وما يعتمل اليوم من محاولة لإسقاط وتصفية مشروع الدولة الاتحادية قد أدركه الرئيس الهادي بفراسته وكان لزاما أن يتخذ إجراءات صارمة ومسئولة بحسب احتياجنا والضرورة التي تفرض علينا ويضرب بيد من حديد لصد الشرور وقمع كل من يخرج عن الركب وكل من لايرعوي عن الغي ، كضرورة لإعادة الأمل والثقة بأن ولادة الدولة الاتحادية لن تجهض وستكون ولادة طبيعية .
فالهادي وشعبه ماضون لا محالة نحو سفوح المجد ولن يقبلوا بدرك المهانة
يقول الله عز وجل في سورة الأنفال : {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}