بعد متابعة حادة لكل ما نشر حول المواجهات المسلحة في الجراف استطيع أن أقول أن الأحداث وقعت كالتالي:
في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يسمع دوي انفجار، فتهرع الشرطة إلى المكان، كأي جهاز شرطة في العالم. تبدأ عملية انتشار سريعة لتطويق مكان الانفجار وتعتقل بعض حاملي السلاح. بعد دقائق تقع الشرطة في كمين فتطلق عليها النيران من أسطح العمارات ومن النوافذ وبشكل مكثف أدى لإصابة حوالي 17 ضابطاً وعسكرياً.
أي أن هناك قطاع من العاصمة تمنع أجهزة الدولة من المرور بالقرب منه. فهو قطاع مدني على شكل معسكر سري. قال الحوثي إن احتفاظه بالسلاح إنما هو بسبب غياب الدولة. وعندما حضرت الدولة نصب لها الكمائن، وأسماها داعش.
لا أفهم، شخصياً، ما معنى مراودة الحوثي على الانخراط في العمل السياسي. من المفترض أن يترك ليجمد نفسه وتمضي العملية بمعزل عنه حتى تنجز الجماعة الوطنية مسودتها الدستورية النهائية وتتفق على مدونة وطنية واضحة.
الحوثي ليس جزء من النشاط السياسي، بل من الفوضى. حتى الآن يصعب الإشارة إلى أي أداء حوثي يمكن فهمه في سياق رغبته في خفض منسوب الفوضى. تحتاج البلدة الآن لأعلى درجات ضبط النفس. لكلمات أقل وأفعال أكثر.
يحتفي موقع أنصار الله بجملة أوباما عن هادي الشريك الموثوق. يعرضها لقرائه كتوكيد غير مباشر على وجود تبعية نظام الحكم لأميركا التي يحاربونها!
بينما يصف الموقع مواجهات الظفير كالتالي: التكفيريون المتنكرون في زي الجيش، والجيش المساند للتكفيريين.
بعد انخراط قوى الجنوب في العملية السياسية وجد الحوثي نفسه معزولاً. أعاد تذكيرنا بمساهمته في الثورة، وتحالف مع النظام الذي واجهته الثورة.
تشعبط الحوثي بالشاردة والواردة، من الاشتراكي إلى الحراك. تشعبط بالدولة المدنية وتسلق ظهر الديموقراطية. قال إنه يواجه الإرهاب الذي ليس سوى " استخدام السلاح أو التلويح باستخدامه لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إثنية".
تشعبط بالقضية الجنوبية وأنتج مواقفاً غاية في المكر. فمع الأيام الأولى للحوار الوطني استقال ممثل الحوثي في الحوار، علي البخيتي، من فريق القضية الجنوبية لأنه لم يلمس توجهاً جاداً لحل القضية.
لكن الجنوبيين المشاركين في الحوار لديهم رواية أخرى لما حدث. فبحسب شفيع العبد، عضو فريق القضية الجنوبية، فقد طالب الفريق بتغيير ممثل الحوثي بسبب مزايداته غير المعقولة على القضية.
الحوثي تائهاً. لكان تيهه ليس تصوفاً، بل موتاً. حتى الآن الموت هو المنجز الأكبر لجماعته.
يتشعبط بكل الذرائع ويبدو مجنوناً وساذجاً ومخيفاً.
يضع شروطاً عملاقة لكي يشارك في صناعة السلم. لكنه يدخل الحروب بأقل قدر من الشروط. يشعل منطقة يقطنها 100 ألف مواطناً لأتفه الأسباب.وعندما يطلب منه المساهمة في صناعة السلام يخلق سلسلة جبلية من الضلالات والأوهام.
وعندما ننتظره لنسمع تعليقه السياسي فإنه يخرج ليلقي خطابات حول الأعداء والقتلة والمجرمين. قبل أن ينهي خطاباته يقول بضع كلمات على شاكلة إن يده ممدودة للحوار مع أولئك المجرمين. أي الذين تسميهم اللغة الحيوية الشركاء السياسيون.
يتصرف الرجل التائه مثل شخص مصاب بمتلازمة كورساكوف. يفقد ذاكرته القصيرة بسرعة ويستعيض عنها بعملية تسامر ومونولوج ذاتي وأحداث يخترعها لأنه لا يتذكر ما جرى البارحة. تصل به المتلازمة حداً يتجاوز به قصة "الرجل الذي اعتقد أن امرأته هي قبعته"..
هذا التائه الصغير يخلق أعداءه بسرعة تاريخية. كل صباح يصرخ: داعش، داعش.
ما من داعش هناك سوى فقراء نائمين.
غير أنه سيخلق "داعش" قريباً. وستكون كارثة يصعب السيطرة عليها. سيفهم الحوثي ساعتئذ، كما فهم المالكي، أن الوقت تأخر للقول: إنني كنت أمزح، فقط.
*من صفحة الكاتب على الفيس بوك