حسناً أن تأتي مشاركة المكونات السياسية الجنوبية وبما من شأنه إيجاد حل مرضٍ وشامل للقضية اليمنية بصورة عامة.. والجنوبية بصورة خاصة، منطلقين في ذلك من القناعة بإمكانية إعادة بناء اليمن على أسس حديثة ومتطورة تقوم على الشراكة الوطنية ومعايير النظام الاتحادي التعددي الذي أجمعت عليه المكونات الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني.
وفي هذا الإطار، فإن عدداً من الشخصيات والقيادات الجنوبية المشهود لها بالوطنية والمصداقية – لست هنا في معرض تسميتها - قد جسدت روح هذه المسئولية التاريخية بامتياز، وتحديداً في هذا الظرف الاستثنائي، خاصة وهي تؤكد على قيم الحوار وتتمسك بلغة الشراكة الوطنية.. وتسعى جادة من أجل الاستقرار والنهوض الشامل، انطلاقاً من إدراكها الواعي بخطورة مغبة الذهاب إلى القطيعة والانعزالية أو اعتساف الحقائق الوطنية والتاريخية والجغرافية تحت مشاعر الإحساس بالظلم والغبن أو تحت أجندة الحسابات النرجسية الخاطئة.
وبالمناسبة، لفت نظري في هذا السياق المواقف البناءة لعديد الشخصيات الجنوبية ومنها القيادي ناصر النوبة ومعه قيادات مشهود لها بالوطنية والاستقلالية وهم يتعاطون مع متغيرات المشهد السياسي الراهن بمسئولية وحرص على المساهمة في تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبما يحافظ على مضمون هذه المخرجات التي تعطي القضية الجنوبية حقها الكامل دون انتقاص أو حيف، خاصة وأن ثمة قوى لا تزال تراهن على إعادة إنتاج الماضي، فضلاً عن سعيها الحثيث للتنصل عن تلك المخرجات التي حظيت – ولأول مرة – بالإجماع الوطني والتأييد الخارجي .
وليس من ضير في دعوة تلك الشخصيات والقيادات الجنوبية التي لاتزال خارج دائرة هذا التوافق ورهينة لخيار التمسك بتلابيب الماضي أن تعيد قراءة المشهد الراهن في الداخل اليمني من منظور جديد يتماشى مع جدية الجهود الوطنية والإجماع الإقليمي والدولي لإنجاح التجربة وانتشال اليمن من أسر تداعيات الأزمة ووفقاً لمتطلبات المصلحة الوطنية لليمنيين.. وبالتالي التعاطي مع هذه المستجدات على ساحة العمل الوطني بروح متحررة من عقد الماضي وعدم الارتهان للنزعات الأنانية والجهوية الضيقة، خاصة وأن ثمة حقائق ملموسة تؤكد صدقية التوجه في التعاطي الإيجابي مع القضية الجنوبية، سواء في تلك الإجراءات العملية التي اتخذتها القيادة السياسية بزعامة الرئيس عبد ربه منصور هادي لمعالجة أوضاع المسرّحين من الخدمة في السلكين المدني والعسكري إلى أعمالهم أو معالجة الأراضي والممتلكات المنهوبة أو – كذلك – في كامل الحقوق والامتيازات التي أكدت عليها وثيقة الحوار، فضلاً عن إعطاء القضية الجنوبية الأولوية في الاهتمام والمشاركة والتي لم تكن في الماضي القريب موضوعة على أجندة تلك الشخصيات التي باتت اليوم تطالب وتحث على القطيعة مع الحاضر والمستقبل.. وقبل ذلك القطيعة مع حقائق التاريخ والجغرافيا.