رغم مقامكم العالي وتواضع معارفنا إلا أني تعلمت ان انه ليس هناك احد أكبر من ان تقدم له النصيحة ، وليس هناك أحدٌ أصغر من ان ينصح الآخرين ، وعلى ضوء هذه القاعدة أقول لكم :
كونكم دعاة فأنتم قد وضعتم انفسكم في موقع أطباء للقلوب تعملون على علاجها من الأسقام ومايصيلها من ذحل وران ومن غفلة وسهو ، تعملون على صيانتها وتغذيتها لتعمل بمهارة وفقا لما خلقت له ، وهذا يتطلب منكم جهد عظيم وصبر أعظم ، وإخلاص غير مشوب بمكاسب شخصية او حزبية ، ولين جانبٍ لكل عاصٍ او مقصر ٍ او تائه عن الطريق لتعيدوهم الى الجادة ، وصدق الحق سبحانه القائل " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ،" .
الدعوة الى الله اشرف وأكرم مهنة يمتهنها الإنسان عندما لا يرجو الأجر والمقابل إلا من الله وحده وصدق الحق سبحانه القائل في محكم كتابه القائل " ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال أنني من المسلمين"
فيا أطباء القلوب كونوا عند مستوى هذه المهمة التي وضعتم أنفسكم بها ، وتحملوا أذى الآخرين وكفوا آذاكم عنهم ، ولا وتتعالوا وتعتقدون أنكم افضل ممن تدعونهم ، فإنه لا يعرف الافضلية بين الناس إلا خالقهم سبحانه " هواعلم بمن اتقى" فإذا اعتقد الشخص حتى وان كان داعية انه افضل من غيره فإن هذا الشعور قد يحبط عمله فيصبح من الخاسرين .
نحن اليوم في امس الحاجة الى دعاة ربانيين لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، فمجتمعنا يعيش فراغا دعويا انعكس سلبا على مختلف قيمنا وتعاملاتنا مع بعضنا ،
يا دعاة الإسلام لا تجعلوا من الخلافات الشخصية سببا لإضفاء المعايب والسيئات على من تختلفون معهم معللين ذلك بأنه من اجل الله ، فالله سبحانه يريد منكم الصبر والمصابرة والتحمل واحتساب ذلك من اجل مرضاة الله ، لا ان تغضبوا وتهدموا بغضبكم قلاعا مؤسسة على التقوى مجرد خلافكم معها بدافع نزوة وانتصار للأنا الشخصية او الحزبية او القبلية وتُقنعون أنفسكم أنها من اجل الله ، وفي المقابل تجمعون ركام من قش لان هذا الركام يطيع انانيتكم ويوافق هواكم ويحسبون ذلك من اجل الله أيضاً .
أيها الأحباب :
ان الدعوة الى الله حُبٌ يسع البر والفاجر ، والداعية لا يكون داعية إلا بدعوته العصاة الى الجادة وتحمل أذاهم ، أما المهتدون فليسوا بحاجة لان يدعوهم لأنهم قد عرفوا الطريق .
يا دعاة الاسلام :
مجتمعكم اليمني خاصة والعالم عامة بحاجة الى من يبصره الطريق ويأخذ بيده الى الجادة ، فكونوا هذا المنقذ الذي يأخذ بيد المنحرف الى الاستقامة والضال الى الهداية والذي يعيش في الظلام الى النور ، ولن تستطيعوا القيام بهذا الدور العظيم إلا اذا تخلصتم من حظ الشيطان في نفوسكم ونظرتم الى من حولكم برحمة وحب وعدم تعالي او غرور وإعجاب بالنفس ، وتأملوا معي الواقعة التالية التي يريها لنا الداعية الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه ، لتكون لنا جميعا درسا وعظة نستفيد منها ونتعض فإلى ما رواه لنا الشيخ الغزالي :
قلت لرجل تعوّد شرب الخمر :
ألا تتوب إلى الله ؟
فنظر إلىّ بانكسار، ودمعت عيناه، وقال :
ادع الله لي ..
تأملت في حال الرجل، ورقَّ قلبي ..
إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله ..
وحزنه على مخالفته، ورغبته في الاصطلاح معه ،
إنه مؤمن يقينا، ولكنه مبتلى!
وهو ينشد العافية ويستعين بيَ على تقريبها ..
قلت لنفسي :
قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ
صحيح أنني لم أذق الخمر قط،
فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها ،
لكنّي ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني
أذهل عن ربي كثيراً وأنسى حقوقه ،
إنه يبكي لتقصيره،
وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا،
قد نكون بأنفسنا مخدوعين .
وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر ،
قلت له تعال ندع لأنفسنا معا :
"ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"
اسأل الله الهداية والتوفيق لنا جميعا .
نصيحة العبدالمقصر الذليل لله الغارق في الذنوب والآثام :
محمد مقبل السليماني الحميري