الرئيس عبد ربه منصور هادي مسئول فعلا عن الوضع السياسي والانساني الذي يمر به اليمن الآن تحت قيادته، لكن الأهم ان ندرك أن خيارات الرجل ضيقة، فهو بين خيارين كل منهما له ضريبة مدفوعة لتحقيقه.
الخيار الأول هو خيار الحزم والتعامل مع الأوضاع بمنطق الدولة وهو الخيار الذي يريده جميع اليمنيين، ويريدون ان يشعروا بآثاره على جوانب معيشتهم التي تسوء يوما بعد يوم بسوء الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية.
وتطبيق هذا الخيار يحتاج لأدوات القوة العسكرية اتجاه المعرقلين للانتقال السياسي والجماعات المسلحة وعصابات التخريب ومنظومة الفساد في الدولة، وهو ما يضع الدولة أمام سيناريوهين غير مرغوب فيهما من قبل صناع القرار المحلي والمجتمع الدولي.
السيناريو الأول: هو هزيمة الدولة في معركة مفتوحة ضدها تشنها الاتجاهات السياسية والمسلحة واتباعها من عصابات التخريب ومنظومة الفساد، وهو سيناريو مرعب سيؤدي لسقوط الدولة في حضن تيارات العنف والذهاب باليمن الى حرب اهلية.
اما السيناري الثاني في الخيار الأول و هو انتصار الدولة من خلال استخدام القوة، وسيؤدي ذلك إلى اقصاء عسكري لاتجاهات سياسية ومسلحة من الشراكة السياسية في مرحلة بناء الدولة التي بداتها اليمن، الامر الذي سيجعل تكرار حركة مسلحة قائمة على مظلومية سياسية مستقبلا وارد بقوة، وسيجعل اليمن مستقبلا تعيد تكرار دورة اللادولة وتعيد دورة العنف التي تظهر مع كل مرحلة من مراحل تحولات اليمن.
الخيار الثاني وهو خيار التعامل مع الجماعات المعرقلة والمسلحة بطريقة الاحتواء الاستراتيجي وتكتيك غض الطرف عن جرائم اليوم، مع استخدام بسيط للردع، وهو خيار ضعيف بالنظر لنتائجه على الأوضاع السياسية والاقتصادية، لكنه يحقق الهدف الاستراتيجي وهو إرغام الجميع للمضي كشركاء في بناء الدولة.
هو خيار له كلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية على اليمنيين، لكنه لا يؤدي لسيناريو الحرب الأهلية ولا سيناريوهات دورات العنف في المستقبل.
هناك من يصف خيار الرئيس هادي القائم على الاحتواء بأنه خيار يستمد مشروعيته من الإدارة الأمريكية ويشبهه بانه كرزاي اليمن نسبة للرئيس الأفغاني.
وهناك من يصف رؤية الفيدرالية التي يريد تحقيقها الرئيس تدريجيا بانها رؤية تقسيمية ويشبهه بانه طالباني اليمن نسبة للرئيس العراقي جلال طالباني الذي ادى انعدام تأثيره بواقع الاحتراب الطائفي الذي شهده ويشهده العراق.
وهناك من يعتقد ان تحركات الرئيس المحدودة ضد التهديدات مع استمرار الأوضاع بأنها تشابه حالة الرئيس المصري محمد مرسي قبيل الانقلاب.
وبعيدا عن مدلولات الابتزاز السياسي لهذه الأوصاف إلا أنها نابعة عن أمرين: أولهما: المخاوف الكبيرة جراء تردي الأوضاع المعيشية وتوسع رقعة المسلحين، وثانيهما: إنعدام الثقة وتراجعها بين الشعب وصانعي القرار السياسي من جهة، وبين المكونات السياسية بعضها ببعض من جهة أخرى.
وحتى يتم وضع القطار على السكة بشكل صحيح، على الرئيس أن يمازج بين استراتيجية الاحتواء في الخيار الثاني وبين سياسة الردع في الخيار الأول لتحقيق السقف المطلوب من الوضع المعيشي والاقتصادي الذي يحقق على أقل المستويات الأمن الغذائي خلال مرحلة الانتقال.
كما ان على الرئيس ان يهتم قليلا بالجانب الأمني ووضع خطوط حمراء واضحة لعنف أي جماعة يسعى إلى استيعابها، وعلى رأس تلك الخطوط الحمراء هي الحقوق العامة لليمنيين من خدمات وامن بالذات في المدن التي أدى استهدافها لحالات حصار ونزوح كبير، وأدى لانقطاع خدمات الكهرباء والنفط على غالبية محافظات الجمهورية.
ومن المهم على الرئيس ان يعزز اي إجراءات دولية منوط بها إيقاف جنون جماعات العنف، لا أن يؤجلها او يوقفها، لأن الاحتواء والاستيعاب يتطلبان احيانا نوع من الصدمات لهذه الاتجاهات لتفكيكها والذهاب بها إلى الشراكة السياسية.... فقد أثبتت التجارب ان بقاء تيارات سياسية او جماعات مسلحة صلبة وتحقق انتصارات ولو معنوية من خلال اعمال تخريبية او مسلحة، لن تؤدي بها إلا للتمادي والغرور ورفع سقف مطالبها، مع محاولات إسقاط أو إضعاف الدولة وملء الفراغ!