يبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه مع تغيير في بعض المشاهد, فلم تعد الجمهورية كدولة وقيادة ورمز وجمهوريين تحاصرها القوى الملكية وقوى الخراب واللا دولة والمنحرفة في نطاق العاصمة صنعاء فقط, بل صارت اليمن كلها خطوط دفاع عن الجمهورية وليس صنعاء وحدها، والدليل أدوات الدفاع عنها في عمران وحجّة والجوف ومأرب وذمار وإب وتعز وبقية اليمن.
الإمام أحمد حميد الدين قدم ومعه جحافل القبائل لمحاصرة صنعاء واقتحامها ونهبها بصورة وحشية لإجهاض الثورة الدستورية عام 1948م, ولم يكن لصنعاء أي خطوط دفاع حقيقية حتى داخلها, وكان له وهوسه السلطوي ما أراد, لكن المشهد تغيّر قليلاً أثناء حصار صنعاء في ملحمة السبعين يوماً الشهيرة ووجدت لها الجمهورية خطوط دفاع في صنعاء ومحيطها الأقرب.
في حصار السبعين يوماً عام 1967م, كان الإمام البدر قائداً لمجاميع قبلية مركزها الأساس شمال الشمال, وبفضل نضالات القوى الجمهورية انكسر البدر وقواته، واشتد عود الجمهورية والتي قادت إلى وحدة اليمن واتساع مساحتها والتئام شمل شعبها.
هو ذات المشهد الحالي, حيث زعيم الحوثيين يستقر في ذات النطاق الجغرافي ويدفع بيمنيين مغرّر بهم إلى محاصرة الجمهورية كدولة ونظام ومعنى وشعب في صنعاء كما يعتقد, غير أن الفارق صار كبيراً وتعدّدت خطوط الدفاع عن الجمهورية الاتحادية التي اتفق اليمنيون في مؤتمر الحوار على السير في إقامة دولة اليمنيين جميعاً في إطار مدني وحديث، وتسعى القوى التي أجهضت حلم اليمنيين منذ 48م إلى إجهاضها حالياً.
صنعاء لم تعد مدينة الجمهورية ومحيطها الخجل هو المواجه لتلك القوى الإمامية التي تحمل ذات العقلية الاستبدادية العنصرية النتنة, بل صارت عمران خط دفاع والجوف وحجة ومأرب وذمار وإب وتعز والحديدة والمحويت والبيضاء وعدن ولحج والضالع وحضرموت وحتى سقطرى والمهرة.
جميع أراضي وسكان اليمن الجمهوري الاتحادي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ينشدون تحقيق الحلم وإنجاز الوعد وبناء دولة المواطنة المتساوية والحرية والعدالة والحقوق, وعلى استعداد لكسر الأيادي التي تريد تدمير ذلك البناء والقوى الحالمة بالعودة باليمن إلى ما قبل ثورتي سبتمبر واكتوبر أو ثورة فبراير 2011م.
ومهما سقطت بأيديهم من مواقع ومدن ومديريات فلا يعتقدون سقوط الجمهورية والدولة؛ لأن اليمن كلها مواقع ومتارس للدفاع عن الجمهورية والدولة اليمنية الحلم الذي طال انتظاره.
المعركة بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين قوى البناء والتحديث والمستقبل وقوى الماضي والتخريب والرجعية ستظل قائمة، والأيام دول بين الناس، وفي النهاية ستنتصر اليمن وسيتحقّق الحلم شاء من شاء وأبى من أبى.
«طريق المدينة»
هذا اسم لمسلسل تبثّه قناة «يمن شباب» موضوعه له علاقة بتلك القوى التي أرادت وتريد إسقاط الجمهورية من خلال حروبها المتعدّدة في محيط العاصمة صنعاء.
أقوى ما لفت نظري في المسلسل هو قضية ظلّت بعيدة عن أداء ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، رغم أنها من أهم مخلّفات نظام الإمامة, أقصد هنا قضية التقسيم الطبقي والاجتماعي التي عزّزها الأئمة بصورة ضربت المجتمع اليمني في الصميم.
المسلسل سلّط الضوء على قضية التقسيم حسب المهنة في مخالفة واضحة وصريحة لمعايير الدين الإسلامي القائمة على الصلاح والكفاءة والنزاهة وليس المهنة والأصل والنسب والسلالة.
لقد قسّم الأئمة المجتمع إلى سادة وقضاة وقبائل وفلاحين وحلاقين وقشامين وخدم وعبيد وما إلى ذلك ليحقّقوا رغباتهم العنصرية في التمييز الاجتماعي والتسلُّط على عباد الله وامتصاص عرقهم وأكل ثروات بلدهم.
لم يفتح القضية هذه لا إعلام ولا تربية وتعليم ولا حتى الوعظ والإرشاد وخطبة الجمعة, فقط كان هناك فيلم وحيد تناول القضية بصراحة ووضوح وهو: فيلم «يوم جديد في صنعاء القديمة» لمخرج يمني عائش خارج الوطن ويحمل جنسية أخرى, ورغم ذلك لم تبثّه أية وسيلة إعلامية يمنية حتى الآن..!!.
[email protected]